وحده، فقاتل أربعة آلاف إنسان. هذه قمّة الشجاعة في ميدان المبارزة؛ لأنّ حبّ اللَّه أسكره، فلم يجعله يلتفت إلى أنّ هؤلاء أربعة آلاف وهو واحد.
وضرب قمّة الشجاعة في الصبر، في السكوت عن الحقّ، حينما فرض عليه الإسلام أن يصبر عن حقّه وهو في قمّة شبابه، لم يكن في شيخوخته، كان في قمّة شبابه، كانت حرارة الشباب ملء وجدانه، ولكن الإسلام قال له: اسكت، اصبر عن حقك حفاظاً على بيضة الدين، مادام هؤلاء يتحمّلون حفظ الشعائر الظاهرية للإسلام وللدين. سكت مادام هؤلاء كانوا يتحفّظون على الظواهر والشعائر الظاهرية للإسلام والدين، وكان هذا قمّة الشجاعة في الصبر أيضاً. هذه ليست شجاعة الاسود، هذه شجاعة المؤمن الذي أسكره حبّ اللَّه.
وكان قمة الشجاعة في الرفض وفي الإباء حينما طرح عليه ذلك الرجل أن يبايعه على شروط تخالف كتاب اللَّه وسنّة رسوله بعد مقتل الخليفة الثاني، ماذا صنع هذا الرجل العظيم؟ هذا الرجل العظيم الذي كان يحترق؛ لأنّ الخلافة ذهبت من يده، يحترق من أجل اللَّه لا من أجل نفسه، يقول: «لقد تقمّصها ابن أبي قحافة وهو يعلم أنّ محلّي منها محلّ القطب من الرّحى»[1]. هذا الرجل الذي كان يحترق؛ لأنّ الخلافة خرجت من يده. لو أنّ إنساناً يقرأ هذه العبارة وحدها لقال: ما أكثر شهوة هذا الرجل إلى السلطان وإلى الخلافة! لكن هذا الرجل نفسه، هذا الرجل بذاته عرضت عليه الخلافة، عرضت عليه رئاسة الدنيا فرفضها، لا لشيء إلّالأنّها شرطت بشرط يخالف كتاب اللَّه وسنّة رسوله. من هنا نعرف أنّ ذلك الاحتراق لم يكن من أجل ذاته، وإنّما كان من أجل اللَّه سبحانه وتعالى.
[1] نهج البلاغة: 48، الخطبة 3