إذن هذه الشجاعة شجاعة البراز في يوم البراز، وشجاعة الصبر في يوم الصبر، وشجاعة الرفض في يوم الرفض، هذه الشجاعة خلقها في قلب علي حبّه للَّه لا اعتقاده بوجود اللَّه، هذا الاعتقاد الذي يشاركه فيه فلاسفة الإغريق أيضاً. أرسطو أيضاً يعتقد بوجود اللَّه. أفلاطون أيضاً يعتقد بوجود اللَّه. الفارابي أيضاً يعتقد بوجود اللَّه. ماذا صنع هؤلاء للبشرية؟ وماذا صنعوا للدين أو للدينا؟
ليس الاعتقاد وإنما حبّ اللَّه إضافة إلى الاعتقاد. هذا هو الذي صنع هذه المواقف، ونحن أولى الناس بأن نطلّق الدنيا، إذا كان حبّ الدنيا خطيئة، فهو منّا نحن الطلبة من أشدّ الخطايا، هذا الشيء الذي هو خطيئة من غيرنا هو أكثر خطيئة منّا. نحن أولى من غيرنا بأن نكون على حذر من هذه الناحية؛ أوّلًا لأنّنا نصبنا أنفسنا أدلّاء على طريق الآخرة. ما هي مهمّتنا في الدنيا، ما هي وظيفتنا في الدنيا؟ إذا سألك إنسان: ماذا تعمل، ما هو مبرّر وجودك، ماذا تقول؟ تقول بأني اريد أن أشدّ الناس إلى الآخرة، أشدّ دنيا الناس إلى الآخرة، إلى عالم الغيب، إلى اللَّه سبحانه وتعالى. إذن كيف تقطع دنياك عن الآخرة؟ إذا كانت دنياك مقطوعة عن الآخرة فسوف تشدّ دنيا الناس إلى دنياك لا إلى آخرة ربك، سوف نتحوّل إلى قطّاع طريق، ولكن أيّ طريق؟ الطريق إلى اللَّه، لا طريق ما بين بلد وبلد، هذا الطريق إلى اللَّه نحن روّاده، نحن القائمون على الدلالة إليه، على الأخذ بيد الناس فيه، فلو أ نّنا أغلقنا باب هذا الطريق، لو أ نّنا تحوّلنا عن هذا الطريق إلى طريق آخر، إذن سوف نكون حاجباً عن اللَّه، حاجباً عن اليوم الآخر.
كل إنسان يستولي حبّ الدنيا على قلبه يهلك هو، أمّا الطلبة، أمّا نحن إذا استولى حبّ الدنيا على قلوبنا سوف نَهلك ونُهلك الآخرين؛ لأنّنا وضعنا أنفسنا في موضع المسؤولية، في موضع ربط الناس باللَّه سبحانه وتعالى، واللَّه لا يعيش في قلوبنا. إذن سوف لن نتمكن من أن نربط الناس باللَّه.