تبرّر تبريراً كاملًا لهذا الموقف؛ لأنّ القيمومة تكون قيمومة الرسالة، والرسالة تمثّل إرادة اللَّه، وإرادة اللَّه قيّمة على الإنسان؛ لأنّ قيمومة اللَّه مستبطنة في فكرة اللَّه بالذات.
وأمّا أيّة حضارة اخرى تنبع من واقع الإنسان، فهذه الحضارة مهما كانت متفوّقة مرحليّاً على شعب معيّن أو على أشخاص معيّنين. هذا التفوّق المرحلي لا يبرّر القيمومة بالقوّة، أي: لا يبرّر انتزاع إرادة هذا الإنسان والسيطرة عليه بالقوّة في سبيل تطويره، صحيح أنّ وجهة نظر هذا القيّم، هذه الحضارة المتفوّقة تنظر إليها على أ نّها الأصحّ والأكمل. ولكنّ هذه وجهة نظر محدّدة في حدود التجربة التي عاشتها هذه الحضارة، في حدود أبعاد الزمان والمكان والملابسات والشروط الموضوعيّة والشروط الاقتصاديّة والسياسيّة التي تمخّضت عنها وجهة النظر هذه.
من قال لك أ يّتها الحضارة إنّ ذاك الشعب المتخلّف إذا تركتيه دون أن تسيطري عليه بالقوّة، إذا تركتيه وأعفيتيه من سلطانك بالقوّة، وبدأ يتحرّك ذاتيّاً وينشأ ذاتيّاً، وبدأ يتحسّن ذاتيّاً ويتحرّك وينشط ذاتيّاً، ويقع في محاولات الخطأ والصواب ذاتيّاً، يسقط مرّة ويقف مرّة … من قال لكِ إنّه سوف لن يكشف حقيقة حضاريّة أكبر من الحقيقة التي اكتشفتيها؟ خلال شوطك الاجتماعي، أنتِ اكتشفتِ حقيقة خلال تاريخ معيّن، وضمن ملابسات معيّنة، أمّا أنّ هذه الحقيقة تمثّل الحقيقة المطلقة؟ طبعاً لا توجد هناك حضارة بشريّة تدّعي هذا.
فمن قال لهذه الحضارة أنّ شعباً آخر لو اعتمد على طاقاته الذاتيّة، لو أ نّه اعفي من فرض مراسيم بالقوّة وتحديدها بخطّ مرسوم كما يقال للطفل: امشِ في هذا الخطّ، لو اعفي هذا الشعب من هذا، من قال: إنّه سوف لن يكشف جانباً أكبر من هذه الحقيقة؟ الحقيقة ليست ملك شعب دون شعب أو عقل دون عقل. والحقيقة