قد تكشّفت جوانبها بالتفاعل والتساند بين كلّ الشعوب. حينئذٍ أنت فرضت مسبقاً أنّ الحقيقة المطلقة هذه، بينما أنت نظريّاً لا يمكنك أن تدّعي أنّ الحقيقة المطلقة هذه، ومع هذا طلبت بالقوّة من الشعوب المختلفة في العالم بأن تنهج نفس الخطّ وأن تسير نفس الطريق. بينما لو فسح المجال لكلّ شعب أن يمارس تجربته الذاتيّة وتفاعَلَ في التجارب الذاتيّة ضمن زمنٍ وشروط مختلفة موضوعيّة ومع ملابسات مختلفة اقتصاديّاً وسياسيّاً وفكريّاً وروحيّاً، كان بالإمكان أن تُرى التجربة البشريّة ككلّ بدرجة أكبر ممّا أن تعرض نتائج تجربة معيّنة لشعب معيّن على كلّ شعوب الاسرة البشريّة.
فمن غير المنطقي أنّ حضارة تقول بأ نّني اكتشفت الحقيقة من زاويتي وضمن شروط وملابسات، لكنّ هذه الحقيقة التي اكتشفتها من زاويتي وشروطي وملابساتي، اريد أن أفرضها على شعوب العالم. بينما هذه الشعوب بالإمكان أن تكشف حقيقة من جوانب وزوايا اخرى، وقد تكون هذه الكشوف الاخرى في التجربة التاريخيّة للبشر، قد تكون نافعة في سبيل تصعيد الحياة الإنسانيّة ككلّ فيبقى هنا نوع من التناقض، التناقض العقلي في موقفهم، صحيح أنّ هناك احتمالًا آخر، وهو أ نّه بالإمكان أنّ هذا الشعب الآخر لو ترك فسوف يضيع وسوف يستمرّ في الضياع، ولكنّ هذا مجرّد احتمال. طبعاً الاحتمال موجود، ولكنّ الاحتمال الآخر هو الأقوى؛ لأنّه هو الذي يساعد عليه التاريخ. والذي ينظر إلى تاريخ شعوب العالم، وإلى حركة التاريخ يرى بأنّ الحقيقة لن تنكشف من قبل شعب واحد، ولم تكن الحقيقة في وقت من الأوقات محتكرة لشعب واحد، أو مكتشفة من قِبل شعب واحد، جميع شعوب العالم تقريباً ساهمت في الحقيقة التاريخيّة ككلّ، كلّ شعب خلال حضارته وخلال وجوده ودخوله على مسرح التاريخ أعطى جانباً من الحقيقة، وكوّن جزءاً من التاريخ الذي هو الأساس لحياة الإنسان