الطاقات للسلع الكماليّة، وقد تعبّأ جميعاً لتوفير السلع الضروريّة، وقد يحدّد النتاج بدرجة معيّنة لا يتعدّاها. وهكذا، فإنّ هذه كلّها تقادير للموقف الاجتماعي الذي يمكن أن يقفه المجتمع تجاه الإنتاج، تبعاً لما يتبنّى من أحكام تقديريّة ومفاهيم مذهبيّة.
وفيما يتّصل بهذه التقادير المذهبيّة لقضيّة الإنتاج نقطة اتّفاق واحدة بين الإسلام وغيره من المذاهب الاقتصاديّة التي درسناها سابقاً، وفيه أيضاً كثير من أوجه الاختلاف التي تعكس اختلاف تلك المذاهب فيما ترتكز عليه من مفاهيم وقيم، فالنقطة التي يلتقي عندها الإسلام بشتّى المذاهب الاخرى وتتّفق عليها المجتمعات المختلفة في كياناتها المذهبيّة، هي زيادة الإنتاج وتنمية القوى المنتجة إلى أقصى حدّ ميسور بأقلّ جهد ممكن؛ فهذه الزيادة الإنتاجيّة غاية تتوخّاها كلّ سياسة اقتصاديّة، مهما كانت طبيعة المذهب الذي تقوم عليه تلك السياسة، وينشط في تحقيقها كلّ مجتمع مهما كان مبدأه وحضارته ومثله العليا في الحياة.
فالإسلام يبدأ قبل كلّ شيء بتحديد موقف الإنسان من الطبيعة التي تحمل في أحشائها كلّ مواد الإنتاج ووسائله، فيخلق فيه وعياً فعّالًا يساعده على أداء رسالته في هذا الكون واستثمار الطبيعة والسيطرة عليها، فليس الإنسان في رأي الإسلام طاقة سلبيّة وكائناً تافهاً تتقاذفه قوى الطبيعة من حوله، وإنّما هو طاقة إيجابيّة بنّاءة، لأنّ الإنسان هو الكائن الذي وضع اللَّه في يده مفاتيح الطبيعة ليستكشف كنوزها ويقوم بعمارتها ويعمل بتسخيرها لخير المجتمع الإنساني ورفاهه؛ قال تعالى: «هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَ اسْتَعْمَرَكُمْ فِيها»[1]، «وَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ»[2]، فالإنسان قد سخّرت له كل
[1] هود: 61
[2] الجاثية: 13