هذا السبيل أيضاً، لأنّه لا يتمكّن من إشباع حاجاته إلّاعن طريق التعاون مع الأفراد الآخرين، فنشأت العلاقات الاجتماعيّة على أساس تلك الحاجات، واتّسعت تلك العلاقات ونمت باتّساع تلك الحاجات ونموّها خلال التجربة الحياتيّة الطويلة للإنسان. فالحياة الاجتماعيّة إذن وليدة الحاجات الإنسانيّة، والنظام الاجتماعي هو الشكل الذي ينظّم الحياة الاجتماعيّة وفقاً لتلك الحاجات الإنسانيّة ..
ونحن إذا درسنا الحاجات الإنسانيّة وجدنا أنّ فيها جانباً رئيسيّاً ثابتاً على مرّ الزمن، وفيها جوانب تستجدّ وتتطوّر طبقاً للظروف والأحوال. فهذا الثبات الذي نجده في تركيب الإنسان العضوي وقواه العامّة- وما أروع ما فيه من أجهزة للتغذية والتوليد وإمكانات للإدراك والإحساس- يعني حتماً اشتراك الإنسانيّة كلّها في خصائص وحاجات وصفات عامّة.
ومن ناحية اخرى نجد أنّ عدداً كبيراً من الحاجات يدخل في نطاق الحياة الإنسانيّة بالتدريج وينمو من خلال تجارب الحياة وزيادة الخبرة بملابساتها وخصائصها. فالحاجات الرئيسيّة ثابتة إذن، والحاجات الثانويّة تستجدّ وتتطوّر وفقاً للخبرة بالحياة وتعقيداتها. وإذا عرفنا إلى جانب ذلك أنّ الحياة الاجتماعيّة نابعة من الحاجات الإنسانيّة وأنّ النظام الاجتماعي هو الشكل الذي ينظّم الحياة الاجتماعيّة وفقاً لتلك الحاجات كما سبق .. إذا عرفنا ذلك كلّه، خرجنا بنتيجة وهي أنّ النظام الاجتماعي الصالح للإنسانيّة ليس من الضروري- لكي يواكب نموّ الحياة الاجتماعيّة- أ نّه بتطوّره يتغيّر بصورة عامّة، كما أ نّه ليس من المعقول أن يصوغ كليّات الحياة وتفاصيلها في صيغ ثابتة، بل يجب أن يكون في النظام الاجتماعي جانب رئيسي ثابت وجوانب مفتوحة للتطوّر والتغيّر ما دام الأساس للحياة الاجتماعيّة- وهو الحاجات الإنسانيّة- يحتوي على جوانب ثابتة