خلافاً للماركسيّة التي ترى استحالة النظام المطلق. وقد تبيّنّا فى الأمر السابق الأساس النظري لهذا الخلاف، وهو موقف الإسلام والماركسيّة من تحديد نوع العلاقة بين النظام الاجتماعي وأشكال الإنتاج؛ فإنّ الإسلام حينما آمن بأنّ الأنظمة الاجتماعيّة ليست مرتبطة حتماً بأشكال الإنتاج كان من الممكن انسجاماً مع هذا الإيمان أن يقدّم نظامه بوصفه نظاماً مطلقاً صالحاً للبشريّة في كلّ زمان.
وكثيراً ما تواجه النظام الإسلامي شبهات تتعلّق بثباته وصلاحيّته المطلقة في كلّ زمان. وتنصبّ هذه الشبهات على مناقشة وجهة النظر الإسلاميّة القائلة بإمكان وجود نظام اجتماعي واحد صالح للأزمنة المختلفة، بأن كيف يمكن لنظام اجتماعي واحد أن يعالج مشاكل الحياة الاجتماعيّة وينظّم شؤونها في عصور متعدّدة تختلف في اسلوب الحياة ونوع الحاجات وطبيعة المشاكل التي تتعرّض لها، وكذا يبدو في تصوّر ساذج للإسلام أنّ النظام الإسلامي لا يمكن أن يواصل صلاحيّته للبقاء وقدرته على أداء رسالته مع اختلاف مقتضيات الزمن وتباين الظروف وتطوّر الأوضاع البشريّة في كلّ الميادين. ولكنّ هذا التصوّر الساذج يزول إذا عرفنا مفهوم الإسلام عن الحياة الاجتماعيّة من ناحية، وعرفنا طبيعة التنظيم الاجتماعي في الإسلام من ناحية اخرى.
ففي ضوء الإسلام ليست الحياة الاجتماعيّة وتنظيماتها المختلفة نابعة من الأشكال المتنوّعة للإنتاج لكي يتغيّر شكل التنظيم الاجتماعي بتغيّر شكل الإنتاج، وإنّما هي نابعة من حاجات الإنسان نفسه، لأنّ الإنسان هو القوّة المحرّكة للتاريخ لا وسائل الإنتاج، وفيه تجديد صيغ الحياة الاجتماعيّة وتنظيماتها المختلفة، فقد خلق الإنسان- كما تقدّم في بحث سابق- مفطوراً على حبّ ذاته والسعي وراء حاجاته، وبالتالي استخدام كلّ ما حوله في سبيل ذلك. وكان من الطبيعي أن يجد الإنسان نفسه مضطرّاً إلى استخدام الإنسان الآخر في