وأمّا التجربة الاجتماعيّة، فهي عبارة عن تجسّد النظام المجرّب في مجتمع وتطبيقه عليه. فتجربة النظام الإقطاعي أو الرأسمالي مثلًا تعني ممارسة المجتمع لهذا النظام فترة من تاريخه، وهي لأجل ذلك لا يمكن أن يقوم بها فرد واحد ويستوعبها، وإنّما يقوم بالتجربة الاجتماعيّة المجتمع كلّه وتستوعب مرحلة تاريخيّة من حياة المجتمع أوسع كثيراً من هذا الفرد أو ذاك.
فالإنسان حين يريد أن يستفيد من تجربة اجتماعيّة لا يستطيع أن يعاصرها بكلّ أحداثها كما كان يعاصر التجربة الطبيعيّة حين يقوم بها، وإنّما يعاصر جانباً من أحداثها ويتحتّم عليه أن يعتمد في الاطّلاع على سائر ظواهر التجربة ومضاعفاتها على الحدس والاستنتاج والتاريخ.
وثانياً: إنّ الحقيقة التي يريد الإنسان معرفتها في مجال التجربة الطبيعيّة يجدها الإنسان في تجربة مباشرة أو يستنتجها ممّا يجده في التجربة استنتاجاً منطقيّاً، فإذا أراد أن يعرف درجة الحرارة التي تؤدّي إلى غليان الماء أمكنه أن يشاهد ذلك في تجربة مباشرة ويحسّ بأنّ الغليان بدأ حين وصلت درجة الحرارة إلى مئة مثلًا، وإذا أراد أن يعرف إمكانيّة تحوّل المادّة إلى طاقة أمكنه أن يقيس وزن الذرّة قبل تحطيمها بوزن حطامها بعد التفجير، ويستنتج أنّ الفارق بين الوزنين من المادّة قد تحوّل خلال تحطيم الذرّة إلى طاقة.
وأمّا الإنسان في مجال التجربة الاجتماعيّة فهو يريد معرفة التنظيم الأصلح المنسجم مع كلّ أبعاد الإنسانيّة، وهذا التنظيم الأصلح لا يجده مباشرة في مجال التجربة ولا عن طريق الاستنتاج المنطقي منها، فتجربة النظام الإقطاعي تكشف مضاعفات هذا النظام ونتائجه وآثاره، ولكنّها لا تكشف بصورة مباشرة أو منطقيّة عن البديل الأصلح الذي يسلم من كلّ تلك المضاعفات دون أن يمنى بمضاعفات مماثلة من شكل آخر، وإنّما يقدّر الإنسانُ البديلَ وفقاً لتصوّره وحدسه الخاصّ.