تتكشّف له على مرّ الزمن فتمكّنه من تفكير اجتماعي أكثر بصيرة وخبرة، حتّى يصل إلى الدرجة التي تتيح له أن يدرك المسألة الاجتماعيّة بكلّ أبعادها ويضع لها حلّها الأفضل بفضل تجاربه الاجتماعيّة، كما استطاع في مجاله الكوني بفضل التجارب الطبيعيّة أن يكتشف كثيراً من حقائق الكون ويعرف أفضل الطرق إلى السيطرة على الطبيعة والاستفادة منها. فكما نؤمن بخبرة الإنسان وتجاربه الطبيعيّة في المجال الكوني، كذلك يجب أن نؤمن بخبرة الإنسان وتجاربه التنظيميّة في المجال الاجتماعي.
والواقع أنّ التجارب الاجتماعيّة- أي تجارب الإنسان الاجتماعي للأنظمة الاجتماعيّة المختلفة- حتّى إذا وصلت في عطائها الفكري إلى درجة التجارب الطبيعيّة- وهي تجارب الإنسان لظواهر الطبيعة- يبقى الفارق الكبير قائماً بالرغم من ذلك بين رصيد الخبرة الذي يعتمد عليه التنظيم البشري والرصيد الذي قام على أساسه النظام الإسلامي، لأنّ الفرق بين الرصيدين هو الفرق بين الإنسان المحدود والخالق المطلق غير المحدود.
ولكنّ التجارب الاجتماعيّة في الحقيقة لا تصل في عطائها الفكري إلى مستوى التجارب الطبيعيّة، بل يبقى الإنسان في مجال التنظيم الاجتماعي دائماً أقلّ قدرة على تحمّل مسؤوليّة الموقف منه في مجال التجارب الطبيعيّة، وأكثر عجزاً عن إيجاد المثل الأعلى للنظام الاجتماعي.
ومردّ ذلك إلى فروق جوهريّة بين التجربة الاجتماعيّة والتجربة الطبيعيّة، ويمكن أن نذكر منها ما يلي:
أوّلًا: إنّ التجربة الطبيعيّة يمكن أن يباشرها ويمارسها فرد واحد، فيستوعبها بالملاحظة والنظرة، ويدرس بصورة مباشرة كلّ ما ينكشف خلالها من حقائق وأخطاء، فينتهي من ذلك إلى فكرة معيّنة ترتكز على تلك التجربة.