القوميّة كمادّة خام بحاجة إلى الأخذ بفلسفة اجتماعيّة ونظام اجتماعي معيّن، وحاولت أن توفّق بين ذلك وبين أصالة الشعار الذي ترفعه، فنادت بالاشتراكيّة العربيّة، نادت بالاشتراكيّة؛ لأنّها أدركت أنّ القوميّة وحدها لا تكفي، بل هي بحاجة إلى نظامٍ ونادت بها في إطار عربي تفادياً لحسّاسيّة الامّة ضدّ أيّ ستار أو فلسفة مرتبطين بعالم المستعمرين، فحاولت عن طريق توصيف الاشتراكيّة بالعربية تغطية الواقع الأجنبي المتمثّل في الاشتراكيّة من الناحية التاريخيّة والفكريّة، وهي تغطية كشفتها حسّاسيّة الامّة التي تحدّثنا عنها؛ لأنّ هذا الإطار القلق ليس إلّامجرّد تأطير ظاهري وشكلي للمضمون الأجنبي الذي تمثّله الاشتراكيّة، وإلّا فأيّ دور يلعبه هذا الإطار في مجال التنظيم الاشتراكي؟ وأيّ تطوير للعامل العربي في الموقف؟ وما معنى أنّ العربيّة كلغة وتاريخ تطوّر فلسفة معيّنة للتنظيم الاجتماعي؟ بل كلّ ما وقع في المجال التطبيقي نتيجة للعامل العربي، إنّ هذا العامل أصبح يعني في مجال التطبيق استثناء ما يتنافى من الاشتراكيّة مع التقاليد السائدة في المجتمع العربي والتي لم تحثّهم الظروف الموضوعيّة لتغييرها، كالنزعات الروحيّة بما فيها الإيمان باللَّه. فالإطار العربي، إذن لا يعطي الاشتراكيّة روحاً جديدة تختلف عن وصفها الفكري والعقائدي المعاش في بلاد المستعمرين، وإنّما يراد به التعبير عن استثناءات معيّنة وقد تكون موقوتة، والاستثناء لا يغيّر جوهر القضيّة والمحتوى الحقيقي للشعار.
ولا يمكن لدعاة الاشتراكيّة العربيّة أن يميّزوا الفوارق الأصليّة بين اشتراكيّة عربيّة، واشتراكيّة فارسيّة واشتراكيّة تركيّة، ولا أن يفسّروا كيف تختلف الاشتراكيّة بمجرّد إعطائها هذا الإطار القومي أو ذاك؛ لأنّ الواقع أنّ المضمون والجوهر لا يختلف، وإنّما هذه الاطر تعبّر عن استثناءات قد تختلف من شعب إلى آخر لنوعيّة التقاليد السائدة في الشعوب.