الوجه الثالث:
حمل روايات المطالبة بالاجرة على الاستحباب؛ بقرينة الروايات النافية لذلك.
وفيه: إنّ مورد هذا الجمع فيما إذا ورد حكمٌ تكليفيّ، من قبيل: «اغتسل غسل الجمعة»، وورد الترخيص في الترك، ولا يتمّ فيما إذا ورد أمر إرشاديٌّ إلى حكم وضعي، من قبيل المالكيّة والاستحقاق كما هي الحال في روايات دفع الخراج؛ فإنّه ليس مفادها مجرّد حكم تكليفيٍّ صرف، بل ظاهرها الإرشاد إلى الحكم الوضعي بمالكيّة الإمام عليه السلام واستحقاقه.
وحينئذٍ: ليس هذا الجمع جمعاً عرفيّاً؛ لأنّ النكتة التي تقتضي في موارد الحكم التكليفي صحّة هذا الجمع غير موجودة في المقام؛ فإنّها إحدى نكات ثلاث باختلاف المباني في دلالة الأمر على الوجوب، وهي:
النكتة الاولى: وهي مبنيّة على مبنى المحقّق النائيني رحمه الله[1] من أنّ الوجوب إنّما هو بحكم العقل إذا لم يرد ترخيص من قبل الشارع، وليس الوجوبُ مدلولًا للدليل اللفظي. فعلى هذا المبنى تكون نكتة الحمل على الاستيعاب واضحة جدّاً؛ إذ ليس هناك أيُّ تعارضٍ بين الدليلين اللفظيّين حتّى نحتاج إلى أيّ تصرّف في لسان أحدهما، وإنّما الوجوب شيءٌ يحكم به العقل عند عدم ورود الترخيص، فمع وروده يرتفع موضوع حكم العقل.
النكتة الثانية: وهي مبنيّة على مبنىً لم يستبعده صاحب (الكفاية) رحمه الله[2]،
[1] فوائد الاصول 1: 136- 137
[2] كفاية الاصول: 71 على تفصيلٍ. وانظر: مقالات الاصول 1: 208؛ نهاية الأفكار 1: 160، 179- 180