لكنّ الإنصاف هو عدم وجود ارتكاز عقلائي كذلك. ولعلّ أحسن الشواهد على ذلك هو نفس الاختلاف الموجود بين العقلاء في فهم الحوالة؛ فإنّ المسلمين- شيعةً وسنّةً- منذ مئات السنين يذكرون أنّ الحوالة عبارة عن استيفاء، أو معاوضة، أو من قبيل الاستيفاء، أو من قبيل المعاوضة، أو نقل الذمّة؛ فنفس هذا الاختلاف قرينة على عدم وجود ارتكاز عقلائي يقيّد الحوالة بشيء من الأنحاء الأربعة دون غيره، فيتمسّك بإطلاق الدليل- بعد فرض إضافة الحوالة إلى الدائن-، فيشمل الأنحاء الأربعة كلّها.
3- ماهيّة الحوالة بحسب الارتكاز الفقهي
وأمّا النقطة الثالثة: وهي ملاحظة أنّ الحوالة بحسب الارتكاز الفقهي تنسجم مع أيٍّ من الأنحاء السابقة؟
فهذه من مشكلات الحوالة؛ فإنّ فقهاءنا لم يتعرّضوا لحقيقة الحوالة بنحو فنّي وسيع دقيق، بل اكتفوا بنفس الإجمال، وفرّعوا عليها الفروع. ومن هنا كان علينا أن نلتفت إلى الفروع المذكورة في الحوالة؛ كي نرى أ نّها تتناسب مع أيٍّ من الأنحاء؟
ومقتضى الجمود على ظاهر اللفظ- الموجود في تعريفهم للحوالة بأ نّها:
معاوضة تقتضي انتقال الذمّة إلى ذمّة اخرى[1]– هو النحو الرابع؛ فإنّه يقتضي نقل ذمّة إلى ذمّة اخرى؛ لأنّه عبارة عن تغيير المدين، أي تغيير وعاء الدَّين، وهو الذمّة.
[1] انظر مثلًا: جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام 26: 170