ليأخذ منه ما كان له أن يأخذ من المحيل، فهذا يناسب جميع الأنحاء الأربعة؛ فإنّ كلّاً من (الوفاء) و (التنازل) و (تغيير الدائن) و (تغيير المدين) عبارة عن دفع المحتال (الدائن) إلى المحال عليه، غاية الأمر أ نّها تختلف اختلافاً جزئيّاً كما اتّضح. وحينئذٍ: يتمسّك بإطلاق الدليل الدالّ على صحّة الحوالة؛ إذ لم يؤخذ فيه سنخ تصرّف مقيّد بخصوصيّة تختصّ ببعض الأنحاء دون البعض الآخر، بل له إطلاق لكلّ ما ينطبق عليه عنوان التصرّف الأوّلي، الذي هو عبارة عن دفع ذات المحتال (الدائن) إلى المحال عليه، وهذا هو ما قلناه سابقاً من تقسيم العناوين إلى أوّليّة وثانويّة؛ فإنّ هذا عنوان أوّلي للتصرّف المباشر.
هذا كلّه إن لاحظنا باب الألفاظ. إلّاأنّ هناك عاملًا آخر ينبغي الالتفات إليه، وهو الارتكاز العقلائي؛ فإنّه لو فرض قيام الارتكاز العقلائي على كون الحوالة عبارة عن النحو الأوّل- وهو الوفاء-، فهذا بنفسه قرينة على صرف ظهور اللفظ عن النحو الرابع إلى النحو الأوّل لو كان اللفظ مضافاً إلى الدَّين، أي كان تحويل الدَّين الذي قلنا باختصاصه بالنحو الرابع.
كما أ نّه لو قام الارتكاز على كون الحوالة عبارة عن النحو الرابع، فهذا بنفسه قرينة على صرف ظهور اللفظ عن بقيّة الأنحاء إلى النحو الرابع لو كان اللفظ مضافاً إلى الدائن، أي كان تحويل الدائن الذي قلنا بشموله للأنحاء كلّها، ولا يبقى للدليل إطلاق بحيث يشمل سائر الأنحاء؛ وذلك لأنّ الدليل الدالّ على إمضاء الحوالة إنّما يدلّ على وجوب ترتيب أحكام عليها: كبراءة ذمّة المحيل وعدم جواز الرجوع وغيرهما من الأحكام، فتنصرف هذه الأحكام إلى المعاملة المعهودة بين العقلاء، فينعقد للدليل ظهور في خصوص ما هو المرتكز عقلائيّاً.