معاً؟! ومجرّد كونهما معلّقتين على شيء واحد لا يوجب منافاةً بينهما، كما هو واضح.
فعلى أساس هذه القرائن الثلاث- وقرائن اخرى يمكن تصيّدها من فقه الجعالة- يُعرف أنّ باب الجعالة ليس باب التمليك المجّاني الصّرف.
الاحتمال الثالث: وهو الصحيح، وحاصله: أنّ أحد موجبات ضمان العمل المحترم عقلائيّاً على الإنسان هو التسبيب: فلو أمر الحلّاق بأن يحلق رأسه دون أن يتعامل معه أو يجري معه عقد الإجارة، كان ضامناً لقيمة الحلاقة السوقيّة، وهذا الضمان هو ضمان الغرامة، من قبيل ضمان اليد بالنسبة إلى الأموال.
والأصل الأوّلي في ضمان الغرامة هو الضمان بالقيمة الواقعيّة، كما أنّ الأصل الأوّلي في ضمان الأموال هو الضمان بالقيمة الواقعيّة، ولكن كما قلنا في ضمان الأموال: إنّه وإن كان الأصل الأوّلي فيه هو الضمان بالقيمة، لكن يمكن للضامن والمضمون له أن يتّفقا على بدل معيّن يكون به الضمان، فيكون قانون ضمان الغرامة نفسه مقتضياً حينئذٍ لهذا البدل: فهذا القانون له اقتضاءان طوليّان: أحدهما: الضمان بالقيمة السوقيّة، وثانيهما: ضمان ما اتفقا أن يكون به الضمان.
ويأتي الكلام نفسه في المقام، فنقول: إنّ الجعالة في الحقيقة ليس بابها باب المعاوضة ولا باب المجّانيّة، بل باب التسبيب إلى العمل مع تعيين بدل الغرامة وتحويله من القيمة السوقيّة إلى شيء آخر؛ فالبدليّة المطعّمة في باب الجعالة هي بدليةُ باب الغرامة لا باب المعاوضة.
وهذه هي الحال أيضاً في المزارعة والمساقاة والمغارسة والمضاربة ونحو ذلك.