وبهذا يُتحفّظ على النقاط الثلاث الارتكازيّة الماضية، وهي: ارتكازيّة البدليّة، وأ نّه لو بطلت الجعالة يُنتقل إلى القيمة السوقيّة؛ إذ مع بطلان التحديد الخارجي لما يضمن يُرجع إلى القاعدة الأوّليّة، وأ نّه إذا جعل جعالتين كانت الثانية ناسخةً؛ إذ ضمان الغرامة يستحيل أن يتحدّد بتحديدين مختلفين.
وبهذا كانت هذه الأبواب في مقابل الإجارة؛ لأنّ الإجارة تمليكٌ بعوض، وفي هذه الأبواب يحدّد ضمان الغرامة المفروض ثبوته في المرتبة السابقة.
وبناءً على هذا نقول: إنّ جعل الزيادة على القرض بنحو الجعالة غير معقول؛ لأنّ عمليّة القرض ليس لها ضمان ولا قيمة وراء قيمة المال المقترض نفسه، وليس هناك- مُسبقاً وقبل الجُعل- بدلان: أحدهما في مقابل المال، والثاني في مقابل نفس الإقراض؛ فلو جعل جُعلًا في مقابل الإقراض زائداً على ما هو في مقابل نفس المال، كان معنى ذلك ثبوت بدلين: أحدهما في مقابل نفس المال، والثاني في مقابل الإقراض، مع أ نّه لا ماليّة للإقراض عدا ماليّة المال المقترض نفسها، وليس له ماليّة اخرى وراء ماليّة ذلك المال.
ولا معنى لأن يفرض وجود ضمانين لهذه الماليّة الواحدة: أحدهما بعقد القرض، والآخر بعقد الضمان، وقد فرضنا أنّ الجعالة تعيينٌ للضمان المفروض مسبقاً.
إذن: لو صحّت الجعالة في المقام وصحّ القرض لكان معنى ذلك ثبوت ضمانين لهذه الماليّة الواحدة.
هذا تمام الكلام في التخريج الثاني ومناقشته، ونقتصر على هذين التخريجين؛ إذ بما ذكرنا فيهما اتّضحت صناعة التخريجات في المقام[1].
[1] ويأتي منه قدس سره تخريجٌ ثالث في ذيل حديثه عن التحليل الثبوتي للودائع البنكيّة