قبل ذلك لا بدّ من التمييز بين ما نقصده بالإذن هنا وبين ما يعتبر من الإذن في باب التوكيل ونحوه؛ فإنّ الإذن المعتبر هناك ليس إلّاعبارة اخرى عن الدخل الإنشائي؛ فإنّ من يوكِّل الوكيل يأذن في إيجاد المعاملة، فدخل الموكّل في المعاملة دخل إنشائي، غاية الأمر أ نّه بتوسّط الوكيل المأذون، فإنشاء الوكيل في الواقع هو إنشاء موكّله ومعاملته هي معاملته، فإذنه إذن إنشائي وضعي؛ فإنّ إذنه يفيد صحّة المعاملة وإنشائها، وذلك بخلاف الإذن المقصود هنا؛ فإنّ المعتبر منه هنا ما يكون من قبيل الإذن التكليفي، بمعنى أ نّه يأذن الغير في المعاملة بحيث لا تنفذ المعاملة بدونه، فهو مبيح للمعاملة.
فالإذن يفيد حكماً تكليفيّاً- وهو الإباحة- ولا يفيد إنشاءً، كما في إذن المرتهن ببيع العين المرهونة من قبل الراهن؛ فإنّ هذا الإذن معتبر في المعاملة- بمعنى أ نّه مبيح لها- ولا يفيد إنشاءً؛ لأنّ المرتهن ليس بمالك للعين المرهونة.
ولنعد الآن إلى السؤال الأوّل: ما هو الضابط لاعتبار إذن الغير في المعاملة وتوقّفها على رضاه؟
الجواب: إنّ الضابط أحد أمرين:
1- الضابط الأوّل: الضابط النوعي: وهو ما إذا كانت المعاملة تصرّفاً في مال شخص، وكان الأمر بحيث لو نفذت المعاملة لتلفت العين على شخص ثالث ولو كان من باب انتفاء الموضوع، فحيث إنّ المعاملة تكون إتلافاً لحقّ الغير فيحتاج إلى إذنه.
ومثاله: حقّ الرهانة الثابت للمرتهن؛ فإنّ الراهن إذا أراد بيع العين المرهونة، فالبيع تصرّف فيها وليست ملكاً للمرتهن، فليس له دخل إنشائي في البيع؛ لأنّه ليس مالكاً لها، فالدخل الإنشائي للمرتهن لا ملاك له، لكن حيث إنّ البيع متلفٌ لحقّ الرهانة الثابت للمرتهن بالرهن، فيتوقّف نفوذه على إذنه؛ فللمرتهن الدخل الإذني في البيع لا الإنشائي.