وأمّا لو اتّفقا على شيء به الضمان، فمرجعه إلى ما قلناه من الضابط الكلّي؛ حيث إنّها تصرّفات تمسّ شأنين: شأن المالك وشأن العامل، فيلزم أن تكون من جملة العقود لا الإيقاعات، فيندفع الإشكال.
فكون هذه التصرّفات عقوداً لا إشكال فيه؛ فإنّ ذلك ما يقتضيه الميزان النوعي الذي ذكرناه؛ فإنّها تمسّ شأنين؛ لأنّ مرجعها إلى تعيين ما به الضمان كما قلنا، وهذا يمسّ شأن العامل كما يمسّ شأن المالك.
وأمّا الهبة، فهي تصرّف في شأن الواهب: فإن كان الارتكاز العقلائي يقتضي أن تكون زيادة المال تصرّفاً في شؤون الشخص، فتكون الهبة عقداً من العقود؛ لأنّها حينئذٍ تمسّ شأنين: شأن الواهب؛ لأنّه مالك للمال، وشأن المتّهب؛ لأنّ المفروض أنّ ازدياد مال الإنسان تصرّف يمسّ شأنه، فزيادة هذا المال الموهوب على أموال المتّهب يمسّ شأنه، فتكون عقداً.
وإن لم يكن الارتكاز العقلائي مقتضياً لأن تكون زيادة مال على أموال الانسان تصرّفاً يمسّ شأنه، فتكون الهبة إيقاعاً لا عقداً؛ لأنّها حينئذٍ تمسّ شأن الواهب فقط.
3- وأمّا الخصوصيّة الثالثة: فهي التي بها تكون المعاملة منوطة برضا الغير دون أن يكون طرفاً للعقد، بأن يكون دخل الغير في المعاملة بنحو تتوقّف المعاملة على رضاه فقط، من دون أن يكون دخله بنحو تتوقّف على إنشائه.
ولا بدّ من معرفة الضابط في هذا النحو من الدخل الذي هو في قبال النحو الأوّل من الدخل؛ فإنّ النحو الأوّل من الدخل عبارة عن الدخل الإنشائي، كدخل المتعاقدين في المعاملة؛ فإنّها تتوقّف على إنشائهما. وهذا النحو من الدخل عبارة عن الدخل الإذني؛ فإنّ المعاملة تتوقّف على إذنه لا على إنشائه، فلنلاحظ ما هو الضابط لهذا النحو من الدخل؟