الشخصيّة من ناحية والمصالح العامّة للجماعة من ناحية اخرى؛ ولهذا عجزتا معاً عن التغلّب على المشكلة وإن اختلفتا في الموقف المتّخذ تجاهها. فالديمقراطيّة الرأسماليّة، سلّمت بذلك التناقض ولم تعتبر الدوافع الشخصيّة لحبّ الذات خطراً يجب أن يفكّر بشأنه، بل على العكس اعتبرت امتلاك الفرد حرّيّته الكاملة في تحقيق تلك الدوافع والعمل على أساسها حقّاً مقدّساً يجب أن يصان للأفراد جميعاً على السواء، وبذلك أصبحت تلك الدوافع هي القاعدة للعمل في ا لمجتمع الرأسمالي، وأصبح المكسب الشخصي هو المقياس في التقييم، ولم يعد للمصلحة الاجتماعيّة وقيمها ومثلها أيّ ضمان في خضمّ الصراع المحموم بين المصالح الفرديّة والدوافع الخاصّة.
وأمّا الاشتراكيّة فقد اعترفت أيضاً بالتناقض بين الدوافع الخاصّة ومصالح الجماعة، غير أ نّها اتّخذت موقفاً آخر بإعلانها عن قدرتها على محو تلك الدوافع الخاصّة محواً كاملًا عن طريق اجتثاث جذورها الموضوعيّة، وترتكز الفكرة في هذا الموقف على مفهوم الماركسيّة على حبّ الذات، فإنّ الماركسيّة تعتقد أنّ حبّ الذات ليس ميلًا طبيعيّاً وظاهرة غريزيّة في كيان الإنسان، وإنّما هو نتيجة للوضع الاجتماعي القائم على أساس الملكيّة الفرديّة التي يحميها النظام الرأسمالي؛ فإنّ الحالة [الاجتماعيّة][1] للملكيّة الخاصّة هي التي تكوّن- في نظر الماركسيّة- المحتوى الروحي والداخلي للإنسان، وتخلق في الفرد حبّه لمصالحه الخاصّة، ومنافعه الفرديّة، فإذا حدثت ثورة في الاسس التي يقوم عليها الكيان الاجتماعي، وحلّت الملكيّة الجماعيّة محلّ الملكيّة الخاصّة، فسوف تنعكس الثورة في كلّ أرجاء المجتمع، وفي المحتوى الداخلي للإنسان فتنقلب مشاعره
[1] ما بين العضادتين أضفناه من: فلسفتنا: 50