كفيلًا بضمان وحدة المجتمع وتماسكه والحيلولة دون وقوع الاختلاف والتناقض الشديد في داخله؛ لأنّ البشر في بدايات حياتهم البشريّة، لم يكونوا يملكون من المعارف والتجارب في شؤون الحياة ووسائلها وطرقها ومجالات الاستمتاع فيها إلّا الشيء المحدود الذي لا يتجاوز الفطريّات وبعض المكتسبات البدائيّة، الأمر الذي كان يجعل الإنسان يتغذّى من أعشاب الأرض ونباتها، ويتسلّح بالأحجار والصخور، ويلوذ بالكهوف والمغارات، ويصطاد أنواعاً متعدّدة من الحيوانات. والمجتمعات الفطريّة التي لا تتجاوز هذه الحدود لا يظهر فيها اختلاف؛ لبساطة آمالها، وبدائيّة همومها ومفاهيمها، ومحدوديّة وسائلها ومجالاتها.
ولكنّ الإنسانيّة داخل الإطار الاجتماعي تنمو وتتكامل مداركها خلال التجربة التي تخوضها عبر الزمن، ولذلك يصبح من المحتوم- بعد أن تستمرّ الإنسانيّة في حياتها الاجتماعيّة، وتواصل تجاربها مع الكون- أن يتفتّح وعيها، وتتّسع مجالاتها الحياتيّة، وتنمو آمالها، وتتعقّد آلامها، وتتكاثر أمامها فرص الاستمتاع بالحياة. وحينما تصل البشريّة إلى ذلك، تبدأ بذور الاختلاف والتناقض والصراع تنمو داخل الإطار الاجتماعي، ويصبح الميل الفطري عند الإنسان الذي يدفعه إلى الاستعانة بأخيه الإنسان غير كاف وحده لضمان الاستقرار في الحياة الاجتماعيّة، كما كان كافياً في بداية تكوّنها، بل يصبح هذا الميل الفطري نفسه دافعاً إلى تمزيق الوحدة الاجتماعيّة، وخلق الصراع في داخلها؛ لأنّ الناس خلال اجتماعهم الفطري سوف يختلفون في تجاربهم وإدراكاتهم ويتفاوتون في مواهبهم وقواهم. وكلّ ذلك يجعل غريزة حبّ الذات تدفع الإنسان إلى صرف إمكاناته التي يمتاز بها على الأفراد الآخرين، في سبيل مصالحه الخاصّة، وفي النهاية تدفعه إلى استخدام الأفراد الآخرين لتحقيق تلك المصالح. ومن ناحية اخرى، يؤدّي اتّساع فهم أفراد المجتمع للحياة ومجالات