أكبر ممّا تملكه الحياة المنعزلة للإنسان الواحد. وهكذا استطاع الإنسان أن يتوصّل بإلهام فطري من غريزة حبّ الذات إلى إقامة العلاقات المتنوّعة، ذات الأشكال المختلفة مع كلّ ما يعيش حوله من أجزاء الكون.
غير أنّ هناك فرقاً جوهريّاً وجد منذ البدء بين نوع العلاقة التي أقامها الإنسان فطريّاً مع الأشياء، ونوع العلاقة التي أقامها مع أخيه الإنسان. فإنّ العلاقة الاولى تمثّل الإيجابيّة من طرف واحد، وتجعل الإنسان هو سيّد الموقف فيها بقدر ما تنمو خبرته بالكون وتتّسع مداركه وإمكاناته، وأمّا العلاقة الثانية فهي بين إنسانين أو مجموعة من الناس، ولكلّ إنسان مصالحه وحاجاته، ومن وراء هذه المصالح والحاجات الدافع الأصيل الذي يتمثّل في غريزة حبّ الذات، فالشعور بالانتفاع بالإنسان الآخر هنا شعور متبادل. وعلى هذا الأساس يتكوّن المجتمع، ويندمج الأفراد في إطار واحد، ويتمّ ضمن هذا الإطار تفاعل الأفراد والتعاون المشترك.
وفي هذا الضوء نعرف أنّ تكوّن الحياة الاجتماعيّة نتيجة للميل الفطري عند الإنسان الذي يدفعه دائماً إلى استخدام كلّ ما يجد حوله لتحقيق الخير الشخصي.
ومن الطبيعي أن نتصوّر- وفقاً للمفهوم القرآني للتاريخ- أنّ الحياة الاجتماعيّة في بدايات تكوّن المجتمعات البشريّة نشأت بسيطة خالية من التعقيد[1]، وكان الدافع الذاتي الذي دفع بالإنسان نحوها كفيلًا بتوفير الدرجة المطلوبة لها من الاستقرار. كما كان مستوى التصوّر البشري للحاجات والمصالح
[1] وهذا المفهوم القرآني للتاريخ معطى في قوله تعالى:« كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ …» البقرة: 213