الضَّالِّينَ»[1]؟».
فالمجتمع الإنساني- وفقاً لما تقرّره الآية في ضوء هذا الحديث- كان مجتمعاً فطريّاً، وكانت الوحدة التي تشمله هي وحدة الفطرة المشتركة بين كلّ الأفراد، بمعنى أنّ الفطرة هي التي كانت توجّه السلوك الإنساني العامّ، وعلى أساسها قامت الحياة الاجتماعيّة، ثمّ على أساسها أيضاً تصدّعت هذه الحياة ودبّ فيها الخلاف والنزاع، الأمر الذي عولج ببعث النبيّين وإنزال الكتب.
والسؤال الآن هو: كيف قام المجتمع على أساس الفطرة؟ وكيف أدّت الفطرة إلى الاختلاف والتفرّق؟
***
تاريخ البشريّة يبرهن على أنّ مدارك النوع الإنساني- بوصفه نوعاً- لم تعطَ له دفعةً واحدة، وإنّما تنمو وتتكامل مداركه خلال التجربة التى تخوضها الإنسانيّة عبر آلاف السنين، ومن الطبيعي أن نتصوّر الإنسانيّة في بداية شوطها التجريبي وهي لا تملك من المعرفة والخبرة إلّاالمقدار الذي توحي به فطرتها الخاصّة، في حدود نظرتها الضيّقة إلى الحياة والكون، فالذي يتحكّم في سلوك الإنسان في هذه الحالة الفطرة التي تحدّد له دوافعه وتصوّراته البدائيّة. ومن الواضح أنّ حبّ الإنسان لنفسه الثابت في صميم فطرته هو القوّة الموجّهة الأساسيّة في حياة الإنسان، وهذه القوّة هي التي تهدي الإنسان إلى استخدام الطبيعة لمصالحه والانتفاع بكلّ ما حوله، ومن هنا ينبثق التفكير الاجتماعي عند الإنسان، لأنّ الإنسان يجد أنّ بإمكانه الانتفاع بأخيه الإنسان أيضاً، كما ينتفع بالحيوان والنبات والجماد. ولمّا كان هذا الشعور متبادلًا بين أفراد الإنسان،
[1] الأنعام: 77