وهنا يجب أن نتساءل ما يقصد النجّار بقراره الحاسم أنّ من يذهب من الفكر ومن الإحساس إلى الأشياء فهو مثالي باركلي، وأنّ الواقعي من يذهب من الأشياء إلى الإحساس وإلى الفكر.
وأكبر الظنّ أ نّه أخطأ فهم هذا القرار الذي استعاره من لينين، ونتيجة لذلك أدان «فلسفتنا» بالباركليّة، ذلك أ نّنا يجب أن نميّز بين مرحلتين للمعرفة البشريّة:
ففي المرحلة الاولى يملك الإنسان مجموعة من التصوّرات والأحاسيس، فيستدلّ بها استدلالًا تصديقيّاً على وجود واقع موضوعيّ خارج نطاق الذات- أي على الأشياء-، فتشكّل التصوّات والأحاسيس القاعدة والمنطلق في الاستدلال الفطري على وجود الأشياء. وبهذا يصدق أ نّنا نذهب من الأحاسيس والتصوّرات إلى الأشياء.
في المرحلة الثانية نعود فنفسّر التصوّرات والأحاسيس على أساس تلك الأشياء التي تعرّفنا عليها عن طريق تلك التصوّرات والأحاسيس. وفي هذه المرحلة تعتبر الأشياء هي الأساس والمصدر للتصوّرات والأحاسيس.
وما يميّز الواقعيّة عن المثاليّة الباركليّة هو مضمون المرحلة الثانية. ولكن لكي نصل إلى هذه المرحلة، لا بدّ من اجتياز المرحلة الاولى التي ينطلق فيها الإنسان من الأحاسيس والتصوّرات إلى الأشياء.
ونقرّب ذلك في مثال: إذا رأيت مطراً يتساقط، فاستنتجت من ذلك أنّ هناك سحاباً متراكماً، فأنت تذهب من المطر إلى السحاب، أي تنطلق من رؤيتك للمطر إلى استنتاج وجود السحاب. وفي هذه النقلة الاستدلاليّة، يعتبر المطر هو المنطلق والسحاب هو المنطلق إليه. ولكنّك في نفس الوقت تقرّر طبعاً أن تنطلق [من] زاوية موضوعيّة [هي] السحاب، بمعنى أ نّه بصورة موضوعيّة «وجد السحاب فوجد المطر». وهذا يعني أنّ المنطلق من زاوية معرفتك الاستدلاليّة