قولنا (2 نصف 4)، إذ نواجه صفتين مختلفتين، فإنّ مفهوم النصف يختلف عن مفهوم العدد (2)، فيكون الحكم بأحدهما على الآخر تركيباً وإخباراً، لا تكراراً واجتراراً.
ولا نريد في مجالنا المحدود هذا أن نتوسّع في نقد هذه الفكرة، وإنّما نريد أن نتناولها بالنقد بالقدر الذي يتّصل بموضوع البحث، أي نريد أن نعرف مدى نجاح هذه المحاولة الوضعيّة لإنقاذ المنطق التجربي من المأزق الذي تورّط فيه. إذا سلّمنا افتراضاً أنّ القضايا الرياضيّة تكراريّة كلّها، فهل يكفي القول بذلك لحلّ المشكلة وتفسير الفرق بين القضيّة الرياضيّة والقضيّة الطبيعيّة على أساس المنطق التجريبي؟
ونجيب على ذلك بالنفي؛ لأنّ من حقّنا أن نطالب المنطق التجريبي بتفسير الضرورة واليقين في القضايا التكراريّة.
ولنأخذ القضيّة التكراريّة النموذجيّة القائلة بأنّ (أ) هي (أ) فإنّ مردّ اليقين بهذه القضيّة إلى الإيمان بمبدأ عدم التناقض، وهو المبدأ القائل: أنّ النفي والإثبات يستحيل اجتماعهما؛ لأنّنا لو لم نؤمن بهذا المبدأ لكان من الممكن أن لا تكون «أ» هي «أ» وإنّما كانت «أ» على أساس استحالة اجتماع النقيضين في وقت واحد.
وإذا عرفنا أنّ مبدأ عدم التناقض هو أساس الضرورة واليقين في القضايا التكراريّة، فما هو تفسير الضرورة واليقين في نفس هذا المبدأ بالذات؟
ولا يمكن للمنطق الوضعي أن يجيب على ذلك بأنّ هذا المبدأ يشتمل على قضيّة تكراريّة أيضاً؛ لأنّ القضيّة التي يعبّر عنها المبدأ إخباريّة وليست تكراريّة، والاستحالة التي يحكم بها ليست مستبطنة في اجتماع النقيضين؛ بمعنى أ نّنا حين نقول: اجتماع النقيضين مستحيل، لا نستخرج هذه الاستحالة من نفس مفهوم