ولم يشهد هذا الشهر المبارك مولد الرسالة متمثّلة في نزول القرآن فحسب، بل شهد أيضاً مولد القيادة الواعية المنبثقة عن تلك الرسالة والمحدّدة بإطارها …
فالقرآن الذي أنزله اللَّه تعالى في ليلة القدر من شهر رمضان إنّما نزل في تلك الليلة المباركة لإيجاد القائد الرسالي، فقد نزل ككلّ على شخص النبيّ في شهر رمضان لتثقيفه بالرسالة وإعداده لقيادة الامّة في معركتها الرساليّة ضدّ جاهليّات الأرض، ثمّ نزل بعدها تدريجيّاً خلال ثلاثة وعشرين عاماً من عمر الدعوه لتثقيف الامّة وإعداد الجيش الواعي القادر على حماية الرسالة الجديدة.
وهكذا نزل القرآن الكريم مرّتين: نزل دفعة ككلّ لإعداد القائد، ونزل تدريجيّاً كأجزاء لإعداد الامّة.
ونزول القرآن لإعداد القائد هو الذي يتحدّث عنه القرآن حين يقول: «شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ»[1] ويقول: «إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ»[2] ويقول: «إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ»[3]. .. وهنا نزل القرآن كلّه دفعة واحدة على النبيّ متمثّلًا في فيض إلهي من التوعية والإعداد الفكري والروحي لتحمّل مسؤوليّات القيادة لأنبل وأطهر معركة في تاريخ الإنسان.
ونزول القرآن لإعداد الامّة وجعلها «خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ»[4] هو النزول التدريجي الذي يحدّث عنه القرآن الكريم حين يقول: «وَ قُرْآناً فَرَقْناه
[1] البقرة: 185
[2] الدخان: 3
[3] القدر: 1
[4] آل عمران: 110