وبين التطبيق هناك نرى فارقاً كبيراً. لم يوجد في تاريخ الإسلام على الإطلاق أنّ شخصاً يُمْسَكُ به خارج نطاق الغرض السياسي فتحرق أعضاؤه عضواً عضواً كما يفعل في الزنجي في أميركا إلى الأمس. وذلك لأجل الشعور بالتميّز والاستعلاء، هذا النوع من الاستعلاء والتميّز، هذا النوع من الاستهانة بكرامة الإنسان كإنسان لم يوجد في تاريخ الإسلام بشكل من الأشكال.
قرأت قصّة أنقل حاصلها: أنّ جيشاً إسلاميّاً حاصر منطقة فلم يقدر على فتحها وبقي محاصراً لها إلى أن انتهت عنده الذخيرة والطعام. ولكنّ قائد الجيش بعد أن اصيب بهذا قام بصلح مع هذه المنطقة بشرط أن يزوّد بحاجته ثمّ يرحل، ولكنّ قائد الجيش بعد الصلح وبعد أن دخل المنطقة ليتزوّد بالمؤن فرض الاحتلال العسكري، وفاجأ أهل المنطقة بهذا الاحتلال. لكنّ أهل المنطقة شكّلوا وفداً وأرسلوا إلى الخليفة عمر بن عبد العزيز، وقال الوفد لعمر: إنّ جيشك احتلّ منطقتنا بعد أن عقدنا وإيّاه عقد صلح. عمر بن عبد العزيز حوّلهم على فقيه من الفقهاء، وقال: اذهبوا وترافعوا، قائد الجيش الفاتح يقف ويقف وفد المنطقة يتداعيان عند القاضي على أ نّه هل هذا الاحتلال مشروع أو غير مشروع؟ يطلب القاضي الشهود على وجود عقد الصلح، وبعد أن ثبت وجود عقد صلح مستوف للشروط الشرعيّة، هذا الفقيه العادل حكم بوجوب الوفاء بهذا العقد ولزوم خروج الجيش الفاتح ولزوم التعويض عن كلّ ما أتلفه في هذه المنطقة، ومن ثمّ يخرج من المنطقة ويتركها لأهلها[1].
هذا النوع من اللمحات لعدالة الإسلام هي في الواقع تعطي روح تطبيق
[1] فتوح البلدان 3: 518- 519، غزو قتيبة سمرقند، وقد أوردها الشهيد الصدر قدس سره أيضاً في: منابع القدرة في الدولة الإسلاميّة: 178