الفارق النظري بين الموقفين هو في الواقع مرتبط بطبيعة القاعدة الفكريّة التي يقوم عليها الإسلام، والقاعدة الفكريّة التي تقوم على أساسها الحضارة الغربيّة.
الحضارة الغربيّة تقول: أنا أفتح وأتوسّع واسيطر بالقوّة على الشعوب المتخلّفة في سبيل أن أنشر العلم وأن اوسّع من آفاق المعرفة في هذه الشعوب واصعّدها إلى مستوى القرن العشرين أو التاسع عشر أو الثامن عشر. هكذا تقول. والإسلام يقول: أنا اوسّع نطاق سيادتي وسلطاني في سبيل أن أنشر كلمة لا إله إلّا اللَّه.
الإسلام حينما يقول هذا فهو منسجم مع قاعدته الفكريّة، أمّا الحضارة الغربيّة حينما تقول هذا فهي متناقضة مع قاعدتها الفكريّة.
الإسلام يقول هذا لأنّ الإسلام يعبّر عن رسالة (من وجهة رأي الإسلام طبعاً نتكلّم كما أ نّنا نتكلّم هناك من وجهة نظر الحضارة الغربيّة). الإسلام من وجهة رأيه وتصوّره لموقفه، يعبّر عن رسالة، وهذه الرسالة ليست نابعة من إنسان معيّن، أو كيان إنساني معيّن، وإنّما هي نازلة من السماء، من اللَّه تعالى، فهذه الرسالة بطبيعة انتسابها إلى اللَّه تعالى بإمكانها نظريّاً أن تدّعي القيمومة على الحياة البشريّة.
تبقى فكرة القيمومة طبعاً صعبة بمقدار صعوبة الإيمان باللَّه، بمقدار ما يصعب على الإنسان أن يؤمن باللَّه. إذا كان في هذا صعوبة على إنسان، فمن الصعب عليه أن يؤمن بقيمومة رسالة ناشئة من اللَّه سبحانه وتعالى، ولكنّ هذه الفكرة كمتمّم طبيعي لفكرة اللَّه تعالى، أي: إذا كنّا قد فرضنا في الرسالة الإسلاميّة أ نّها رسالة من اللَّه تعالى، ففكرة القيمومة متمّمة لفكرة اللَّه بالذات؛ لأنّ اللَّه تبارك وتعالى التعبير العملي عنه هو القيمومة، فقيمومة اللَّه على الإنسان هذه