المتقدّمة أنّ النظام الإسلامي يشتمل على جوانب ثابتة من التشريع، وجوانب مفتوحة للتغيير موكولة إلى اجتهاد وليّ الأمر. فالدولة تمارس تطبيق الجوانب الثابتة أو الإشراف على تطبيقها، وتمارس أيضاً ملء الجوانب المفتوحة للتغيير وفقاً للظروف والملابسات.
ويمكن أن نطلق على هذه الجوانب اسم منطقة الفراغ في التشريع الإسلامي للحياة الاقتصاديّة. ولا تدلّ منطقة الفراغ هذه على نقص في الصورة التشريعيّة أو إهمال من الشريعة لبعض الوقائع والأحداث، بل تعبّر عن استيعاب الصورة وقدرة الشريعة على مواكبة العصور المختلفة، لأنّ الشريعة لم تترك منطقة الفراغ بالشكل الذي يعني نقصاً أو إهمالًا، وإنّما حدّدت للمنطقة أحكامها بمنح كلّ حادثة صفتها التشريعيّة الأصليّة، مع إعطاء وليّ الأمر صلاحيّة منحها صفة تشريعيّة ثانويّة حسب الظروف.
وقد كان وجود منطقة الفراغ هذه أمراً ضروريّاً للنظام الإسلامي، لأنّ الإسلام لا يقدّم مبادئه التشريعيّة للحياة الاقتصاديّة بوصفها علاجاً مؤقّتاً، أو تنظيماً مرحليّاً يجتازه التاريخ بعد فترة من الزمن إلى شكل آخر من أشكال التنظيم، وإنّما يقدّمها باعتبارها الصورة النظريّة الصالحة لجميع العصور. فكان لا بدّ لإعطاء الصورة هذا العموم والاستيعاب، أن ينعكس تطوّر العصور فيها ضمن عنصر متحرّك يمدّ الصورة بالقدرة على التكيّف وفقاً لظروف مختلفة. فمنطقة الفراغ إذاً ترتبط بجوانب التطوّر الذي تعيشه البشريّة عبر الزمن.
ولكي نأخذ فكرة عن منطقة الفراغ هذه بوصفها مجالًا للتدخّل التشريعي من قبل الدولة وحدود هذا التدخّل، لا بدّ أن نفهم الجانب المتطوّر من حياة الإنسان الاقتصاديّة من وجهة نظر إسلاميّة، ومدى تأثيره على الصورة التشريعيّة التي تنظّم تلك الحياة.