وهناك فرق كبير بين هذا الإنسان الذي يحيي الأرض الميتة وبين ذلك الإنسان الذي يصادف أرضاً حيّة عامرة بطبيعتها فيزرعها، لأنّ هذا الإنسان يخلق في الأرض الميتة فرصة الانتفاع، بينما ذلك الزارع لا يخلق الفرصة وإنّما يستفيد من الفرصة الطبيعيّة المتاحة له.
وهذا الفرق يؤدّي إلى الاختلاف بين نتائج هذا العمل وذلك من وجهة النظر الإسلاميّة في التوزيع؛ فالعمل الذي يحقّق انتفاعاً مباشراً دون أن يخلق فرصة الانتفاع يعتبر أساساً لاكتساب الحقّ الخاصّ في الثروة ويزول ذلك العمل. فالإنسان الذي صادف أرضاً حيّة عامرة فزرعها ثمّ ترك زراعتها أو صادف حجراً فحازه ثمّ أعرض عنه، يزول حقّه في الأرض وفي الحجر بانقطاع الزراعة أو الحيازة.
وأمّا العمل الذي يخلق فرصة الانتفاع بالثروة- كإحياء الأرض الميتة- فهو يمنح العامل حقّ ملكيّة الفرصة، لأنّها نتيجة عمله التي خلقها بإحيائه للأرض، فإذا أحيا الفرد أرضاً ميتة ثمّ تركها حيّة ولم يبادر إلى زراعتها لا يسقط حقّه الخاصّ فيها؛ لأنّه وإن كان لا يمارس بالفعل عملًا فيها، غير أنّ عمله في إحيائها يمنحه الحقّ في تملّك الفرصة التي نجمت عن إحيائه للأرض. وما دامت هذه الفرصة قائمة والأض حيّة فهو صاحب الحقّ في تلك الفرصة، ولا يجوز لآخر أن يزاحمه في فرصة خلقها بعمله وجهده. وملكيّته لهذه الفرصة تجعل منه الأولى بالأرض من أيّ فرد آخر، فيستمرّ حقّه في الأرض ما دامت الفرصة التي خلقها وجسّدها قائمة. فإذا خرجت الأرض وأهملها حتّى عادت ميّتة سقط حقّه منها ولم يعد أولى بها من غيره.
وهكذا نستخلص ممّا سبق حقائق عديدة عن النظريّة الإسلاميّة لتوزيع الثروات الطبيعيّة الخام، وهي كما يلي: