العمل. فالحيازة مثلًا هي بحدّ ذاتها عمل من أعمال الانتفاع والاستثمار في مجال الثروات المنقولة كما تقدّم، فما دامت الحيازة مستمرّة حقيقةً أو حكماً، يظلّ الفرد متمتّعاً بحقّه الخاصّ في الثروة المنقولة التي حازها، فإذا تنازل عن حيازة المال بإهماله والإعراض عنه انقطع انتفاعه به وزالت صلته العمليّة وسقط بسبب ذلك حقّه في المال، وأصبح لأيّ فردٍ آخر الاستيلاء عليه والانتفاع به.
ومثال آخر من يأتي إلى أرض صالحة للزراعة بطبيعتها- وهي الأرض العامرة بالأصالة في العرف الفقهي- فيمارس زرعها فيكتسب عن طريق ذلك الحقّ الخاصّ فيها، لأنّ زرع الأرض عمل من أعمال الانتفاع والاستثمار، فلا يجوز لشخص آخر أن يزاحمه فيها؛ ولكنّه إذا ترك بعد ذلك نشاطه وزراعته وانقطع عمله في الأرض زال حقّه الخاصّ منها، وكان لأيّ فرد آخر أن يستفيد منها.
وهكذا نعرف أنّ الحقّ الخاصّ في الثروة الطبيعيّة الخام ينتج عن ممارسة الفرد لعمل من أعمال الانتفاع بتلك الثروة، ويسقط بانقطاع ذلك العمل وزوال تلك الصلة العمليّة بين الفرد والمال.
ولكن هذا إنّما يصدق إذا لم يؤدِّ العمل إلى خلق فرصة الانتفاع بالمال، وإلّا استمرّ الحقّ الخاصّ ما دامت الفرصة التي خلقها العمل قائمة.
ولكي نفهم هذا بوضوح يجب أن نعرف أنّ أعمال الانتفاع والاستثمار تختلف: فبعضها يمارس فيها الفرد الزراعة، أو الصخور والأحجار في الصحراء يمارس الفرد حيازتها؛ فإنّ الزراعة والحيازة لونان من الانتفاع بتلك الأرض وهذه الصخور. وفي بعض أعمال الانتفاع والاستثمار يواجه الإنسان ثروة مغلقة، فيخلق فيها فرصة الانتفاع بها، كالأرض الميتة غير الصالحة للزراعة؛ يواجهها الإنسان فيحييها ويعدّها للزراعة.