فلو سقطت الروايتان لم نرجع إليها، بل نرجع في تمام الموارد إلى مقتضى القاعدة.
الوجه الرابع:
إنّ رواية الكابلي ورواية معاوية بن وهب نصٌّ في أنّ الأرض لا تنتزع من الثاني وتعطى إلى الأوّل، وظاهرتان في أنّ الأوّل ليس له حقّ أصلًا. ورواية سليمان نصٌّ في ثبوت حقّ للأوّل، وظاهرةٌ في أنّ حقّه متعلّق بنزع الأرض من الثاني وإعطائها للأوّل، فنرفع اليد عن ظاهر كلّ منهما بنصّ الاخرى، ونستنتج أنّ الأرض تبقى في يد الثاني وتعطى الاجرة للأوّل، فالأرض للثاني انتفاعاً، وللأوّل ماليّةً واجرةً وملكاً.
وهذا الوجه أيضاً غير تامٍّ؛ وذلك لأنّه ليس كلّ تأويلٍ لظهور بلحاظ النصّ يكون جمعاً عرفيّاً: ففي مثل دليلين متعارضين بالظهور يمكن إرجاع كلّ من الظهورين بالتحليل إلى دلالتين، ويكون مثل هذا الجمع رهيناً بتقبّل العرف له، والعرف لا يقبل مثل ذلك؛ لكونه مبنيّاً على التحليل، وليس الدليلان بنحوٍ يذهب العرف بمجرّد أن يراهما إلى هذا الجمع من دون تحيّر.
الوجه الخامس:
وهو الصحيح، وهو أنّ روايَتَي معاوية والكابلي موردهما إعراض الأوّل عن إعمار الأرض، وذلك بقرينة قوله: «تركها وأخربها»، لا إعراضه عن ذات الأرض، ورواية سليمان مطلقة، تشمل ما إذا كان خراب الأرض بنفسها أو بتركها والإعراض عن إعمارها، فتخصّص بالروايتين الاولَيَيْن، وتكون النتيجة هي التفصيل بين ما إذا أهمل الأوّلُ الأرضَ وخربت فتكون- أي الأرض- للثاني، وبين ما إذا خربت بعارضٍ من دون إعراضه عن إعمارها فتكون للأوّل.