لظاهر الطائفة الثانية؛ لأنّ ظاهرها إرادة عدم وجوب إعطاء الاجرة بالعنوان الأوّلي، وأ نّه بيان لحكم شرعي إلهي، لا بعنوان التحليل والحكم المالكي.
إلّاأن يقال: إنّ الطائفة الثالثة صريحة في الاستحقاق وظاهرة في المطالبة الفعليّة، فيما الطائفة الثانية صريحة في نفي المطالبة الفعليّة وظاهرة في نفي أصل الاستحقاق، فنرفع اليد عن ظاهر كلٍّ بنصِّ الآخر.
وفيه: إنّه لو كان هناك آية أو رواية تدلّ على أ نّه لا بدّ من حمل الظاهر على النصّ صحّ ذلك، لكن لم يرد دليلٌ على هذه القاعدة الكليّة، وإنّما نحن والعرف، وهو لا يساعد على رفع اليد عن ظهور كلا الطرفين بهذا التقريب.
والشاهد على هذا أ نّه لو ورد: «صلّ»، وورد: «لا تصلّ»، عُدّا من المتعارضين بلا إشكال، ولو صحّ هذا الجمع لقلنا: إنّ قوله: «صلّ» صريحٌ في جواز الفعل وظاهرٌ في الوجوب، وقوله: «لا تصلّ» صريحٌ في جواز الترك وظاهرٌ في الحرمة، فنرفع اليد عن ظهور كلٍّ منهما [بنصّ] الآخر، ويثبت الجواز.
وأنت ترى أ نّه لا يرضى أحدٌ من العرف بالقول بعدم المعارضة بين «صلّ» و «لا تصلّ»، ولو لم يكن هذان الكلامان متعارضين فلا يوجد تعارضٌ في الدنيا.
الوجه الخامس: تتعارض الطائفة الثانية والثالثة، وبعد التساقط نرجع إلى الطائفة الاولى؛ لأنّها لم تكن طرفاً في المعارضة؛ فإنّ نسبة الطائفة الثالثة إليها كنسبة المقيَّد إلى المطلق، ومعلوم أ نّه إذا ابتلى المقيّد بالمعارض كان المرجع هو المطلق.
وهذا وجهٌ فنّيٌّ متين بعد فرض تساقط الطائفتين، لكن سيجيء إن شاء اللَّه إثبات عدم تساقطهما، بل تقدّم إحداهما على الاخرى.