كان عمل الصيارفة منذ البدء أن يقضوا حاجة الناس في تبديل عُملةٍ باخرى، وكانوا يرتزقون عن هذا الطريق، فكان لا بدّ لهم من ادّخار مقدار من النقود بعملات مختلفة، وهو ما يحتاج إلى صناديق حديديّة وأقفال حديديّة محكمة تدّخر فيها الأموال لكي تسلم من سرقة السرّاق، في وقت لم يكن النظام الأوروبي فيه مترقّياً إلى درجة يمنع معها من كثرة السرقة، فهيّئوا صناديق وأقفالًا حديديّة بهذا الصدد.
ثمّ أصبح الإقطاعيّون المتموّلون يفكّرون في إيداع أموالهم عند هؤلاء الصيارفة؛ لأنّهم يملكون مكاناً مأموناً لحفظ هذا الأموال، فبدأوا يودعون الأموال عندهم لكي تحفظ في صناديقهم بدلًا عمّا كان يُصنع بها سابقاً، من دسّها في جوف الأرض أو الحائط. وكان الصيارفة يأخذون اجرةً على هذا الحفظ، تختلف- قلّةً وكثرة- بحسب اختلاف المال المستودع.
ثمّ رأى الصيرفي- بحسب تجاربه- أنّ ما يودع عنده لا يُسترجع منه أزيد من العُشر عادةً على سبيل البدل، بل قد يكون ما يُسترجع أقلّ، إلى أن يصل إلى نسبة الواحد في المائة، وذلك عندما لا توجد حروب بين الإقطاعيّين تكلّفهم سحب شيء من أموالهم من عند الصيارفة وصرفها، فأخذ الصيرفي يُقرض تسعة أعشار الودائع إلى التجّار مع أخذ الفائدة لنفسه، بالرغم من أ نّه لا يملك من تلك الودائع شروى نقير، وسعر الفائدة يختلف حسب قانون العرض والطلب كما هي الحال في سائر السلع.
ثمّ رأى هذا الصيرفي أنّ التجّار يقترضون منه، وبدلًا من أن يسحبوا ما اقترضوه يأخذون سنداتٍ ويتعاملون بها عن طريق الحوالة على الصيرفي، ولا يسحبون ما اقترضوه إلّانادراً، حيث يحتاجون أحياناً إلى استهلاك عين المال لمصرف الزواج ونحوه، فأخذ يقرض قدراً أكبر ممّا عنده بعشر مرّات.