قد تلف على المالك بمجرّد الأخذ؛ لأنّه بمجرّد الأخذ أصبح ملكاً للثاني بالحيازة.
وما ذكرناه يفسّر لنا أمرين ارتكازيّين في باب القرض، هما:
الأمر الأوّل: عدم رجوع القرض إلى المبادلة، مع كونه في الوقت نفسه موجباً للضمان.
الأمر الثاني: كون قوام القرض بالقبض؛ فإنّ هذا أيضاً أمرٌ ارتكازي عقلائي على طبق القاعدة: فإنّه وإن أمكن أحياناً كون القبض شرطاً تعبّديّاً- كما في بيع الصرف-، لكن من البعيد جدّاً كونه كذلك في باب القرض؛ فإنّ لزوم القبض في القرض أمرٌ تطابقت عليه كلُّ الاتّجاهات الفقهيّة- الشيعيّة وغير الشيعيّة-، وكذا القوانين العقلائيّة- كالرومانيّة والفرنسيّة والألمانيّة- منذ آلاف السنين إلى يومنا هذا، وهو المرتكز في ذهننا العقلائي. ومن البعيد جدّاً كونه أمراً تعبّدياً حصل عليه صدفةً هذا التطابق العجيب بين جميع الاتّجاهات الفقهيّة على اختلافها وبين القوانين العقلائيّة على تضاربها، وهذا التطابق نفسه حاصلٌ أيضاً في الهبة والعارية والوديعة.
ويؤيّد ذلك المعنى اللغويُّ للقرض؛ فإنّ «اقترض» فسّر بمعنى «أخذ وتناول»، كما فسّر «أقرض» بمعنى «أعطى وناول منتظراً للمجازاة»[1]؛ فهذا كلّه بابه باب الأخذ والعطاء، لا باب إنشاء التمليك والتملّك.
فالتعريف المختار للقرض يفسّر لنا تمام الارتكازات العقلائيّة في هذا الباب.
[1] فالقرض: ما تعطيه غيرَك لتقضاه( ترتيب جمهرة اللغة 3: 116؛ الصحاح 3: 1102؛ معجم مقاييس اللغة 5: 71؛ لسان العرب 7: 217؛ المصباح المنير: 498؛ القاموس المحيط: 840)