والبرهان عليه: أ نّهم اتّفقوا على براءة ذمّة المحال عليه[1] بمجرّد الحوالة قبل الأداء[2]، وهذا دليل على أنّ المال المنقول من ذمّة المحيل إلى ذمّة المحال عليه إنّما انتقل إلى نفس الجزء من الذمّة الذي كان ظرفاً ووعاءً مملوكاً للمحيل، ويعني هذا أنّ دين المحيل على المحال عليه قد سقط وحلّ محلّه دين في ذمّة المحال عليه للمحتال، بينما لو كان الأمر كما يقوله التقريب الأوّل وأنّ الدَّين الثابت للمحتال على المحيل ينتقل إلى جزء آخر من ذمّة المحال عليه غير الجزء المملوك للمحيل، لما كان يبرأ المحال عليه بمجرّد الحوالة، بل غايته ضمان المحيل لو كان هو المستدعي، والضمان فرع الأداء وفي طوله، والحال أ نّهم اتّفقوا على براءة ذمّة المحال عليه قبل الأداء.
إذن: فالتقريب الأوّل واضح البطلان.
فيدور الأمر بين التقريب الثاني والثالث، وحيث إنّا بيّنّا ارتكازيّة كون الدائن مالكاً للوعاء والذمّة أيضاً كما هو مالك للمال المظروف، فالصحيح هو التقريب الثاني؛ لأنّه هو الذي يحقّق هذه الارتكازيّة دون الثالث؛ لأنّه ينسفها.
وبذلك انتهى الحديث عن عقد الحوالة وتبيّن ما هي حدودها[3].
[1] المنظور إليه هنا هو براءة ذمّة المحال عليه من المحيل، لا المحيل من المحال
[2] راجع مثلًا: العروة الوثقى 5: 469- 470، حيث منع التفريق بين براءة ذمّة المحيل تجاه المحال بالحوالة وبين براءة ذمّة المحال عليه تجاه المحيل
[3] انتهى البحث الأوّل من الفصل الثاني، ولم تسنح الفرصة أمام الشهيد الصدر قدس سره لبحث تمام ما وعد ببحثه؛ وذلك بسبب انتهاء العطلة الرمضانيّة. وفي تقريرات سماحة السيّد عبد الهادي الشاهرودي( حفظه اللَّه):« وبما أنّ هذا المقدار يكفي لإعطاء الضابط الكلّي في فقه الحوالة، بل هو أيضاً مفتاحٌ لفقه المعاملات، فإنّنا نكتفي بهذا المقدار من البحث في هذا الشهر المبارك، وآخر دعوانا أن الحمد للَّهربّ العالمين»