هناك معاوضة بلحاظ المظروف. وأمّا بلحاظ الظرف، فحيث إنّ مالكيّة الدائن للظرف تزول عند زوال مالكيّته للمظروف بسبب الوفاء، فيبقى الظرف دائراً أمره بين أن يكون مالكه هو المدين (المحيل) وبين أن يكون مالكه هو الموفي:
فإن كان مالكه هو المدين، فهذا يعني أنّ الوفاء كان تبرّعيّاً من قبل الموفي؛ حيث إنّه أدّى ما على المدين من الدَّين ورجع الوعاء ملكاً للمدين.
وأمّا إذا قلنا: إنّ مالك الذمّة هو الموفي الذي وفّى الدَّين عن المدين، فهذا لا يكون إلّابالمعاوضة القهريّة بين ذمّة المدين وبين ما وفّاه الموفي.
ففي مثالنا السابق: إذا كان لزيد (المحيل) دين في ذمّة خالد (المحال عليه)، وكان لعمرو (المحتال) دين في ذمّة زيد (المحيل)، فباع عمرو دينه الذي كان له في ذمّة زيد بالدَّين الذي كان لزيد في ذمّة خالد، فيسقط الدينان لا محالة، لكن ينشأ بعدئذٍ دين ثالث، وهو دين ثابت لعمرو في ذمّة خالد؛ حيث إنّ عمرواً هو الذي وفّى دين خالد الذي كان عليه لزيد، فتحصل بسبب الوفاء معاوضة قهريّة بين ذمّة خالد وبين ما وفّاه عمرو إلى زيد عن خالد على نحو المعاوضة القهريّة الحاصلة فيما إذا كان الموفي هو المدين كما ذكرناه قبل أسطر.
هذه هي صيغة المعاوضة القهريّة، وقد اندفع بها الإشكال المزبور.
وبهذا نكون قد انتهينا من النظرية الفقهيّة الثانية للوفاء، وقد عرفت أ نّها تناسب أحد قسمي الحوالة (الحوالة على المدين) دون القسم الآخر (الحوالة على البريء)، وذلك بخلاف النظرية الفقهيّة الاولى للوفاء؛ حيث إنّها كانت تناسب كلا القسمين كما مرّ بيانها مفصّلًا.
وإلى هنا تمّ الحديث عن النحو الأوّل من الأنحاء الأربعة المتصوّرة للحوالة، وهو الوفاء.