ولا يمكن لتنظيم اجتماعي- على ضوء هذا التحليل- أن يحافظ على مصلحة الوجود الاجتماعي، ويحدّ من الدوافع الذاتيّة، إذا كان هذا التنظيم نفسه من وضع فرد أو مجموعة من الأفراد الذين يعيشون الصراع والتناقض المصلحي؛ فإنّ الدوافع الذاتيّة لغريزة حبّ الذات سوف تنعكس في تكوين النظام الاجتماعي وتمتدّ المشكلة إليه.
فلا بدّ إذن لكي يكون التنظيم الاجتماعي على مستوى حلّ المشكلة والحدّ من الدوافع الخاصّة وحماية المصالح الموضوعيّة للمجتمع أن يربط بجهة قادرة على تكييف الدوافع الخاصّة وتطويرها بشكل يتّفق مع المصلحة الاجتماعيّة، وهذه الجهة لا يمكن أن تتمثّل إلّافي الدين، فالدين هو الذي يستطيع أن يوفّق بين الدوافع الذاتيّة والمصالح الاجتماعيّة العامّة ويسبغ على القيم التي يمثّلها التنظيم الاجتماعي المرتبط به طابع المصلحة الخاصّة، فيزول التناقض المستقطب بين الخاصّ والعامّ، بين الأنانيّة والاجتماعيّة. وتصبح غريزة حبّ الذات، ودوافعها الخاصّة نفسها في خدمة ذلك التنظيم وقيمه ومثله؛ لأنّ الدين هو الطاقة الروحيّة التي تستطيع أن تعوّض الإنسان عن لذائذه الموقوتة التي يتركها في حياته الأرضيّة أملًا في النعيم الدائم؛ وتستطيع أن تدفع به إلى التضحية بوجوده عن إيمان بأنّ هذا الوجود المحدود الذي يضحّي به ليس إلّاتمهيداً لوجود خالد، وحياة دائمة، وتستطيع أن تخلق في تفكيره نظرة جديدة تجاه مصالحه، ومفهوماً عن الربح والخسارة أرفع من المفاهيم التجاريّة المادّيّة. فالعناء طريق اللذّة، والخسارة لحساب المجتمع سبيل الربح، وحماية مصالح الآخرين تعني ضمناً حماية مصالح الفرد في حياة أسمى وأرفع .. وهكذا ترتبط المصالح الاجتماعيّة العامّة بالدوافع الذاتيّة، بوصفها مصالح للفرد في حسابه الديني.
وفي القرآن الكريم نجد التأكيدات الرائعة على هذا المعنى، في كلّ مكان،