الدنيا المنفتحة كلّها كانت صفراً في نظر الحسين عليه السلام؛ لأنّها لم تكن دنيا الداعية، وإنّما كانت دنيا المتميّعين والمتسيّبين، والحسين عليه السلام لم يكن متميّعاً ومتسيّباً، وجد الدنيا إلى جانب ووجد الرسالة إلى جانب، فوقف إلى صفّ الرسالة وحارب حتّى خرّ صريعاً.
إنّ لحظات التزاحم بين الدنيا والرسالة هي اللحظات التي يصعد فيها الداعية أو يهبط، هي اللحظات التي ينجح فيها الداعية أو يسقط.
إذاً هذا هو المائز الثالث الذي يتميّز به الموقف الإيجابي للداعية.
وبحسب الحقيقة فإنّ هذه الفوارق الثلاثة ترجع بحسب روحها إلى نقطة جوهريّة واحدة. وهذه النقطة الجوهريّة الواحدة هي أنّ الدنيا هي مجال العمل لا الدافع إلى العمل، هذا هو الفارق بين إيجابيّة الداعية وإيجابيّة غيره، وبقدر ما يتوفّر في الجماعة الذين آلوا على أنفسهم أن يسيروا في الاتّجاه الثالث، بقدر ما يتوفّر فيهم من الخصائص الروحيّة والشرائط الفكريّة، والقابليّات النفسيّة التي تمهّد لهم تحقيق هذه المميّزات الثلاثة والحرص عليها، وتشييدها في سلوكهم، في خطّ عملهم، بقدر ما يتوفّر لهم ذلك يتوفّر لهم النجاح والفلاح ورضى اللَّه سبحانه وتعالى، والوصول إلى ما لا اذن سمعت ولا عينٌ رأت ولا عرض على خيال بشر[1]، والوصول إلى الجنّة التي وعد اللَّه بها المتّقين.
وهذه الامور الثلاثة أو المميّزات الثلاثة تظهر أكثر فأكثر كلّما شقّ الداعي طريقه أكثر فأكثر، ويتعرّض الداعي لها أكثر فأكثر كلّما اتّسع مجاله، وكلّما امتدّ ميدانه، وكلّما تنوّعت مشاكله وتعدّدت، كلّما صار هذا أصبح معرّضاً أكثر لكي يثبت قدرته على الاحتفاظ بهذه المميّزات الرئيسيّة الثلاثة.
[1] انظر المعنى في: تهذيب الأحكام 6: 22