عالية، فمن قضيّة (التنباك) التي استطاع فيها هذا الشعب العظيم أن يكسر الطوق الذي أراد حكّامه ومخدوموهم المستعمرون الكافرون أن يطوّقوا به وجوده، إلى قضايا (المشروطة) التي قاوم فيها الشرفاء الأحرار من أبناء هذا البلد الكريم ألوان التحكّم والاستبداد في وقتٍ كان العالم الإسلامي فيه غارقاً في أشكال مؤلمة من هذا الاستبداد، إلى الممارسات الفعليّة لهذا الشعب المكافح التي قدّم من خلالها حجماً عظيماً من التضحيات ولا يزال يقدّم، وهو يزداد يوماً بعد يوم إيماناً وصموداً وتأكيداً على روحه الجهاديّة.
وبالمقارنة بين هذه الملاحم البطوليّة يبدو عمق الشخصيّة المذهبيّة للفرد الإيراني المسلم، والدور العظيم الذي يؤدّيه مفهومه الديني، وتمسّكه العميق بعقيدته ورسالته ومرجعيّته في مجالات هذا الجهاد البطولي. ففي كلّ هذه الملاحم نلاحظ أنّ الروح الدينيّة كانت هي المعين الذي لا ينضب للحركة، وأنّ شعارات الإسلام العظيمة كانت هي الشعارات المطروحة على الساحة، وأنّ المرجعيّة الرشيدة كانت هي الزعامة التي تلتفّ حولها جماهير الشعب المؤمنة، وتستلهمها في صمودها وجهادها، ولا توجد هويّة لشعب أصدق انطباقاً عليه وتجسيداً لمضمونه من الهويّة التي يتجلّى بها في ساحة الجهاد والبذل والعطاء، ولم يعبّر شعب عن حرّيّته النضاليّة تعبيراً أوضح وأجلى ممّا عبّر به الشعب الإيراني المسلم عن هويّته الإسلاميّة في كلّ ما خاضه من معارك شريفة، كانت التعبئة لكلّ واحدة منها تتمّ باسم الإسلام، وكانت المشاعر والقلوب تتجمّع على أساسه، وكانت القوى الروحيّة والمرجعيّة الصالحة هي التي تتقدّم المسيرة في نضاله الشريف.
ولئن كان الشعب الإيراني قد عبّر عن هويّته الجهاديّة الأصيلة باستمرار،