وذهنيّة موحّدة، إلى جانب ما يتميّز به كلّ فرد من خبرات واتّجاهات، وتلك الخبرة المشتركة والذهنيّة الموحّدة تشكّل أساساً لمرتكزات عامّة وذوق مشترك في مجالات عديدة بما فيها المجال التشريعي والتقنيني، والمرتكزات العامّة والذوق المشترك في المجال التشريعي والتقنيني هو ما يطلق عليه الفقهاء في الفقه اسم مناسبات الحكم والموضوع.
فيقولون- مثلًا-: إنّ الدليل إذا دلّ على أنّ من حاز ماءً من النهر أو خشباً من الغابة ملكه، نفهم منه أنّ كلّ من حاز شيئاً من الثروات الطبيعيّة الخام ملكه، دون فرق بين الماء والخشب وغيرها؛ لأنّ مناسبات الحكم والموضوع لا تسمح بجعل موضوع الحكم محصوراً في نطاق الخشب والماء فحسب.
مثال آخر إذا جاءت الرواية في ثوب أصابه ماء متنجّس وأمرت بغسل الثوب، نعرف أنّ الماء المتنجّس إذا أصاب شيئاً نجّسه، سواء أصاب الثوب أو شيئاً آخر؛ لأنّ مناسبات الحكم والموضوع المرتكزة في الذهنيّة العرفيّة العامّة لا تقبل أنّ تنجيس الماء المتنجّس خاصّ بالثوب، فالثوب يعتبر في الرواية قد جاء على سبيل المثال لا التحديد.
ومناسبات الحكم والموضوع هذه هي في الواقع تعبير آخر عن ذهنيّة موحّدة، وارتكاز تشريعي عامّ على ضوئه يحكم الفقيه بأنّ الشيء الذي يناسب أن يكون موضوعاً للتملّك بالحيازة أو للتنجّس بالماء المتنجّس أوسع نطاقاً من الأشياء المنصوص عليها في الصيغة اللفظيّة، وهذا هو ما نعنيه بالفهم الاجتماعي للنصّ.
وهكذا نعرف أنّ الفهم الاجتماعي للنصّ معناه فهم النصّ على ضوء ارتكاز عامّ يشترك فيه الأفراد نتيجة لخبرة عامّة وذوق موحّد، وهو لذلك يختلف عن الفهم اللفظي واللغوي للنصّ الذي يعني تحديد الدلالات الوضعيّة والسياقيّة للكلام.