لأفراد المجتمع الإسلامي، وتوجيهها توجيهاً مهذّباً صالحاً دون أن يشعر الأفراد بسلب شيء من حريّتهم، لأنّ التحديد ينبع من واقعهم الروحي والفكري، فلا يجدون فيه حدّاً لحريّاتهم. ولذلك لم يكن التحديد الذاتي تحديداً قانونيّاً للحريّة في الحقيقة، وإنّما هو عمليّة إنشاء للمحتوى الداخلي للإنسان الحرّ، إنشاءً معنويّاً صالحاً، حيث تؤدّي الحريّة في ظلّه رسالتها الصحيحة.
وقد كان لهذا التحديد الذاتي نتائجه الرائعة في تكوين طبيعة المجتمع الإسلامي. وبالرغم من أنّ التجربة الإسلاميّة الكاملة كانت قصيرة الأمد، فقد آتت ثمارها، وفجّرت في النفس البشريّة إمكاناتها المثاليّة، ومنحتها رصيداً روحيّاً زاخراً بمشاعر العدل والخير والإحسان. وناهيك من نتائج التحديد الذاتي أ نّه ظلّ وحده هو الضامن الأساسي لأعمال البرّ والخير في مجتمع المسلمين منذ خسر الإسلام تجربته للحياة، وفقد قيادته السياسيّة وإمامته الاجتماعيّة. وبالرغم من ابتعاد المسلمين عن روح تلك التجربة والقيادة بعداً زمنيّاً وروحيّاً، فقد كان للتحديد الذاتي الذي وضع الإسلام نواته في تجربته الكاملة للحياة دوره الإيجابي الفعّال في ضمان أعمال البرّ والخير، التي تتمثّل في إقدام الملايين من المسلمين بملء حريّتهم على دفع الزكاة وغيرها من حقوق اللَّه، والمساهمة في تحقيق مفاهيم الإسلام عن العدل الاجتماعي.
وأمّا التحديد الموضوعي: فنعني به التحديد الذي يفرض على الفرد في المجتمع الإسلامي من خارج بقوّة الشرع. ويقوم هذا التحديد الموضوعي للحريّة في الإسلام على المبدأ القائل إنّه لا حريّة للشخص فيما يتعارض من ألوان النشاط مع المثل والغايات التي يؤمن الإسلام بضرورتها. وقد تمّ تنفيذ هذا المبدأ في الإسلام بالطريقة التالية:
أوّلًا: كفلت الشريعة في مصادرها العامّة النصّ على المنع عن مجموعة من النشاطات الاقتصاديّة والاجتماعيّة، المعيقة في نظر الإسلام عن تحقيق المثل