ومصدراً للملكيّة، بينما لا تعتبر حيازة الأرض كذلك بل يلغي كلّ حمى إلّاحمى اللَّه ورسوله؛ فإنّ حيازة الحجر بنقله والخشب بالاحتطاب أو أيّ ثروة منقولة اخرى عمل من أعمال الانتفاع والاستثمار، فيدخل في حساب النظريّة بوصفه نشاطاً اقتصاديّاً. وأمّا حيازة الأرض والاستيلاء على منجم أو على عين ماء فليس من تلك الأعمال، بل هو مظهر من مظاهر القوّة والتحكّم في الآخرين، فلهذا لم يكن له أثر في النظريّة.
لكي نبرهن على ذلك يمكننا أن نفترض إنساناً يعيش بمفرده في ساحة كبيرة من الأرض غنيّة بالعيون والمناجم والثروات الطبيعيّة بعيداً عن المنافسة والمزاحمة، فماذا سوف يمارس من ألوان الحيازة؟!
إنّ إنساناً كهذا لن يفكّر في الاستيلاء على مساحة كبيرة من الأرض وحمايتها وما فيها من المناجم وعيون لنفسه، لأنّه لا يجد داعياً إلى هذه الحماية ولا فائدة يجنيها منها في حياته ما دامت الأرض بخدمته في كلّ حين، لا ينافسه فيها أحد، وإنّما ينصرف مباشرة إلى إحياء جزء من الأرض يتناسب مع مستوى قدرته على الاستثمار. ولكنّه بالرغم من أ نّه لا يفكّر في حيازة مساحات كبيرة من الأرض يمارس دائماً حيازة الماء بنقله إلى كوزه والحجر بحمله إلى كوخه والخشب يوقد عليه النار، لأنّه لا يتاح له الانتفاع بهذه الأشياء في حياته إلّا بحيازتها وإعدادها في متناول يده.
فحيازة الأرض وغيرها من مصادر الطبيعة لا معنى لها إذن عندما تنعدم المنافسة، بل الإحياء وحده في هذه الحالة هو العمل الذي يمارسه الفرد في الطبيعة لاستثمارها والانتفاع بها؛ وإنّما تكتسب حيازة الأرض قيمتها عندما توجد المنافسة على الأرض وتشتدّ، من منطلق كلّ فرد للاستيلاء على أوسع