الأساسيّة للإنتاج يسبق عمليّة الإنتاج نفسها، لأنّ الأفراد إنّما يمارسون نشاطهم الإنتاجي وفقاً للطريقة التي يقسّم بها المجتمع مصادر الإنتاج، فتوزّع مصادر الإنتاج. وأمّا توزيع الثروة المنتجة، فهو مرتبط بعمليّة الإنتاج ومتوقّف عليها، لأ نّه يعالج النتائج التي يسفر عنها الإنتاج.
والاقتصاديّون الرأسماليّون حين يدرسون في اقتصادهم السياسي قضايا التوزيع ضمن الإطار الرأسمالي، لا ينظرون إلى الثروة الكلّيّة للمجتمع وما تضمّه من مصادر الإنتاج، وإنّما يدرسون توزيع الثروة المنتجة فحسب في الدخل الأهلي، لا مجموع الثروة الأهليّة. ويقصدون بالدخل الأهلي مجموع السلع والخدمات المنتجة، أو بتعبير أصحّ: القيمة النقديّة لمجموع المنتوج في بحر سنته.
فبحث التوزيع في الاقتصاد السياسي هو بحث توزيع هذه القيمة النقديّة على العناصر التي ساهمت في الإنتاج. ولأجل ذلك كان من الطبيعي أن يسبق بحوث الإنتاج بحث التوزيع؛ لأنّ التوزيع ما دام يعني تقسيم القيمة النقديّة للسلع المنتجة على مصادر الإنتاج، فهو عمليّة تعقب الإنتاج، إذ ما لم تنتج سلعة لا معنى لتوزيعها أو توزيع قيمتها. وعلى هذا الأساس نجد أنّ الاقتصاد السياسي يعتبر الإنتاج هو الموضوع الأوّل من مواضيع البحث، فيدرس الإنتاج أوّلًا، ثمّ يتناول قضايا التوزيع.
وأمّا الإسلام؛ فهو يعالج قضايا التوزيع على نطاق أرحب وباستيعاب أشمل، لأنّه لا يكتفي بمعالجة توزيع الثروة المنتجة، ولا يتهرّب من الجانب الأعمق للتوزيع- أي توزيع مصادر الإنتاج- كما صنع المذهب الرأسمالي إذ ترك مصادر الإنتاج يسيطر عليها الأقوى دائماً تحت شعار الحريّة الاقتصاديّة التي تخدم الأقوى، وتمهّد له السبيل إلى احتكار الطبيعة ومرافقها؛ بل إنّ الإسلام