اجتماع الصديقين في السفر صدفةً في المثال السابق، فإنّه لا يمنع ذلك هنا.
ولأجل تسهيل الأمر، سوف نتحدّث بلغة رمزيّة: فنضع (أ) بدل الأسبرين الذي نبحث في كونه علّة أو ليس بعلّة، و (ب) بدل المعلول، وهو زوال الصداع، و (ت) بدل ما نحتمل كونه علّة مجهولة تقف وراء زوال الصداع اقتراناً مع تناول الأسبرين.
إذن: (أ) هو العلّة المفترضة، و (ب) هو المعلول، و (ت) هو العلّة المحتملة المجهولة. فإذا ترتّبت (ب) على (أ)، لا يُمكن التسرّع بالقول: إنّ (أ) علّة ل (ب)؛ إذ لعلّ (ت) كانت هي علّة (ب) وظهرت صدفةً بالتزامن مع (أ) التي لم تكن في الحقيقة علّة ل (ب). وقد قلنا سابقاً: إنّ العقل لا يمنع ظهور (ت) صدفةً مع ظهور (أ).
ولو تكرّرت هذه الظاهرة مرّة اخرى، فما المانع في أن تظهر (ت) صدفةً مع ظهور (أ)، وتكون هي العلّة الحقيقيّة ل (ب)؟!
ولو ابتلينا بشخصٍ يثير هذا السؤال في كلّ مرّة ويشكّك في وقوف (أ) وراء (ب)، محتمِلًا الاقتران بالصدفة بين (أ) و (ت)، فكيف بوسعنا أن نوضح له السرّ في حصول العلم بأنّ (أ) علّة ل (ب)؟!
هنا:
تارةً: نلجأ إلى المنطق العقلي، فنرجع له القضيّة إلى العقل الأوّل، ويكون علمنا بذلك قائماً على أساس طريقة التوالد الموضوعي.
واخرى: نرجعه إلى قضايا العقل الأوّل لكن وفق الطريقة التي يؤمن بها المنطق الذاتي الذي نحن بصدد بحثه وبيانه.
وإمّا أن نبحث له عن مصدر آخر يخلّصنا من هذه المشكلة.