يضع الماء على النار، لا يحتمل أنّ الماء سيبقى على حاله من عدم الغليان حتّى لو طال بقاؤه على النار، بل يجزم بأ نّه سوف يغلي. وجزمه بغليان الماء يستوي مع جزمه بسائر المحسوسات، من قبيل جزمه بالنار مثلًا.
إذن: حصول العلم- بمعنى الجزم لا بمعنى اليقين المنطقي- يؤخذ في بحثنا بوصفه أصلًا موضوعيّاً. ولذلك، لو أتانا من ينكر حصول الجزم لديه بأنّ النار علّة لغليان الماء، مدّعياً أنّ ذلك مردّه إلى الصدفة، فعندها لا يمكن للمنطق الذاتي أن يقدّم له شيئاً أو يزيل هذا الشكّ من نفسه. إلّاأ نّنا مع ذلك نعتقد بأنّ الشكّ في هذه الامور لا يحصل لدى الناس، وإنّما كثيرٌ منهم اصطنعوه.
وعلى أيّة حال، فالواجب علينا أن ننظر في مدى تقبّل الناس لهذه المصادرة، أي في مدى تقبّلهم لفكرة أنّ التجربة يمكن أن تفيدنا بأنّ (أ) علّة ل (ب).
ونحن نجد أنّ هذا الأمر متسالمٌ عليه في بلادنا وفي ثقافتنا، كما نجد أنّ الفلاسفة العقليّين التابعين لأرسطو تلقّوا هذا الأمر على نحو القبول، حيث قالوا: إنّ التجربيّات قضايا جزميّة لا مجال للشكّ فيها، وعدّوها ضمن اليقينيّات.
وفي مقابل هذا التيّار ظهر تيّارٌ قويٌّ لا يستهان به في أوساط الفلاسفة التجريبيّين الذين آمنوا بالتجربة واعتبروها مصدر المعرفة البشريّة، وهذا التيّار أنكر فكرة العلّيّة والسببيّة، وقصر اعترافه بحصول الجزم على مجال التجربة الحسّيّة المباشرة فحسب، وما يقع في حدود الحسّ المباشر هو نفس النار لا علّيّتها للإحراق.
ومن هنا نجد أنّ جماعةً من التجريبيّين ذهبوا إلى أنّ المعارف الحاصلة