مستبطنة في المقدّمات؛ فنحن عندما نمارس الاستقراء ونجد أ نّه متى تناولنا حبّة الأسبرين زال الصداع، نخرج بنتيجة: وهي أنّ تناول الأسبرين علّة لارتفاع الصداع وزواله. وفكرة العلّيّة هذه التي خرجنا بها ليس مستبطنة في فكرة الاقتران؛ ففكرة العلّيّة شيء، وفكرة الاقتران شيءٌ آخر. وعندما خرجنا بهذه النتيجة فإنّ معلوماتنا زادت حقيقةً، لا أ نّها فصّلت بعد أن كانت مجملة.
وسيزداد هذا الأمر وضوحاً في الأبحاث القادمة عندما نبرهن على أنّ المنطق الذاتي في التفكير يخضع للعقل الأوّل ولا يمكن استنباطه من البديهيّات.
ونكتفي الآن بالتمييز بين الأمرين على مستوى التصوّر ريثما يأتي تحقيق الموضوع على مستوى التصديق؛ إذ علينا أن نبرهن على أنّ الطريقة الذاتيّة لا يُمكن إرجاعها إلى البديهيّات الأوّليّة.
ومهما يكن من أمر، فإنّ المنطق الذاتي يقدّم طرحاً جديداً في نظريّة المعرفة يختلف عمّا استعرضناه لحدّ الآن في ما يرتبط بالمنطق العقلي والمنطق التجريبي وعلم النفس، حيث يحقّق في أصل الأفكار ومصدر المعلومات البشريّة وقيمتها.
وأنتم تعلمون أنّ هناك خلافاً رئيسيّاً في نظريّة المعرفة ومحاولة تحديد مصدرها، وهل أ نّه العقل أم التجربة. والفلاسفة بشكل عام انقسموا إلى قسمين:
1- القسم الأوّل يمثّله أنصار المذهب العقلي- وهم أتباع أرسطو- الذين ذهبوا إلى أنّ العقل هو مصدر المعرفة، بمعنى أنّ هناك معلومات يعتقد بها الإنسان ويؤمن بها بصورة سابقة على التجربة، وهذه المعلومات هي أصل المعرفة البشريّة[1].
[1] راجع: فلسفتنا: 85، المذهب العقلي