القياس لتنتج لنا نتيجة، وهي أنّ زيداً فانٍ. وفي هذه الحالة يُقال للمنطق العقلي:
إنّ العلم بفناء زيد قد حصل ونحن بصدد تشكيل الكبرى، أي قبل أن نضع هذه الكبرى في القياس المذكور، حيث الفرض أ نّنا تتبّعنا كافّة أفراد الإنسان ومنهم زيد.
وهذا هو معنى أنّ القياس عقيمٌ لا يولّد علماً ومعرفةً جديدة، وإنّما يستبطن دوراً منطقيّاً؛ لأنّ العلم بالأمر الجزئي (وهو فناء زيد المطلوب إثباته في النتيجة) كان متوقّفاً على تحقيق الكبرى (وهي أنّ كلّ إنسان فانٍ)، وفي الوقت نفسه كانت الكبرى المذكورة متوقّفة- فيما تتوقّف عليه- على تحقيق الجزئي نفسه (وهو فناء زيد)، وهذا دورٌ واضح.
2- أمّا إذا فرضنا أنّ التتبّع لم يكن شاملًا لكلّ أفراد الإنسان، فحينئذٍ لا يبقى معنى للكبرى المذكورة في قولنا: «كلّ إنسان فانٍ»؛ إذ لعلّ بعض هذه الأفراد لا يفنى، فتكون الكبرى جزافيّة.
إلّاأنّ هذا الاعتراض على إطلاقه غير وجيه؛ لأنّه مبنيٌّ على أنّ العلم بالكلّي لا بدّ وأن ينشأ دائماً من استقراء تمام الجزئيّات، وقد تعرّضنا في كتاب (فلسفتنا) لهذه المقولة[1]، وبيّنّا هناك أ نّنا لو أردنا إثبات الكبرى بالتجربة ولم يكن لنا مقياس غيرها، لكان علينا أن نفحص جميع الأقسام والأنواع لنتأكّد من صحّة الحكم، وتكون النتيجة حينئذٍ قد درست في الكبرى بذاتها أيضاً. وفي هذه الحالة يستقرُّ الاعتراض السابق ويكون ثابتاً بلا إشكال.
وأمّا إذا كانت الكبرى من المعارف العقليّة التي ندركها بلا حاجة إلى
[1] انظر: فلسفتنا: 99- 100، نقد المذهب التجريبي، وقد استعنّا بعض الشيء في هذين المقطعين بعبارة( فلسفتنا)؛ لأنّ مضمونها متّحد مع ما في المحاضرة المدوّنة ويمتاز عنه بالوضوح