باعتبار أنّ التنازل إنّما كان بسبب استدعاء المحال عليه منه ذلك، والاستدعاء موجب للضمان بالارتكاز العقلائي، فيكون المحال عليه المستدعي للإبراء ضامناً للدَّين الذي كان في ذمّة المحيل للمحتال، فيعود المحتال على المحال عليه ليأخذ الدَّين منه.
وهذا الضمان الثابت على المستدعي هنا نظير الضمان الثابت على من قال لشخص: «ألقِ متاعك في البحر»؛ فإنّ هذا الاستدعاء إن كان عقلائيّاً فهو موجب لضمان القائل؛ فكما أنّ هذا الاستدعاء يوجب الضمان على المستدعي، فكذلك الحال بالنسبة إلى استدعاء المحال عليه من المحتال أن يبرئ ذمّة المحيل، فإنّه يوجب ضمانه. ولا فرق بين الاستدعاءين من ناحية الحكم، وإن كان هناك فرق بينهما من ناحية أنّ الاستدعاء الأوّل أمرٌ بإتلاف المال الخارجي فيما إذا قال له: «ألقِ متاعك في البحر»، والاستدعاء الثاني أمر بإتلاف المال الذمّي فيما إذا قال المحال عليه: «أبرئ ذمّة المحيل».
إلّاأنّ هذا ليس فارقاً بينهما من ناحية الحكم- وهو الضمان- فتشتغل ذمّة المحال عليه للمحتال بالمقدار الذي كانت ذمّة المحيل مشغولة به للمحتال.
وحيث إنّ استدعاء المحال عليه لم يكن تبرّعيّاً، بل بسبب استدعاء المحيل نفسه- حيث إنّه هو الذي قال للمحال عليه: «استدعِ أنت من الدائن إبراء ذمّتي»- فيعود المحال عليه على المحيل بالخسارة التي أصابته من جرّاء استدعائه من المحتال إبراءَ ذمّة المحيل؛ وذلك لأنّ استدعاءه هذا مسبّب عن استدعاء المحيل نفسه منه ذلك، فيضمن له.
وحينئذٍ: يحصل للمحال عليه دين في ذمّة المحيل، وقد كان للمحيل دين في ذمّة المحال عليه كما هو المفروض؛ لأنّ الحوالة كانت على مدين لا على بريء؛ فقد كان المحال عليه مديناً للمحيل قبل ذلك، فإذا أصبح المحال عليه