إذن: فحقّ المطالبة بالمال الخارجي إنّما ثبت للدائن في طول ثبوت حقّ آخر له، وهو حقّ الإيصال إلى الواقع. وحينئذٍ: فإذا فرض أنّ الدائن تمسّك بهذا الحقّ، فلا يمكن للمدين أن يطبّق ما في ذمّته على فرد ذمّي آخر، أي لا يمكنه إحالة الدائن على ذمّة شخص ثالث؛ فإنّ الفرد الذمّي الآخر وإن كان فرداً للجامع الكلّي الثابت في ذمّة المدين، إلّاأنّ هذا الفرد لا يوصل الدائن إلى الواقع، وهو المال الخارجي، فلا تكون الحوالة وفاءً.
وأمّا لو لم يتمسّك الدائن بحقّ المطالبة بالفرد الخارجي وأسقط حقّه، أو سكت وقبِل بالتطبيق على الفرد الذمّي- أي قبل بالإحالة-، فتكون الحوالة وفاءً صحيحاً.
وبهذا تحقّق عندنا وفاء متوسّط يختلف عن الوفاء بالفرد الخارجي، فهناك نحوان من الوفاء:
النحو الأوّل: الوفاء الحقيقي: وهو تطبيق ما في الذمّة على الفرد الخارجي.
وولاية هذا القسم من الوفاء يكون للمدين فقط، وليس للدائن الامتناع عن التطبيق على الفرد الخارجي؛ فإنّ هذا القسم يجمع بين حقّي الدائن، وهما:
مالكيّته للفرد الذمّي، وحقّ إيصاله إلى الواقع؛ فكلاهما ثابتان في الوفاء الحقيقي.
النحو الثاني: الوفاء غير الحقيقي: وهو تطبيق ما في الذمّة على ما في ذمّة اخرى، وهو الحوالة. وولاية هذا القسم من الوفاء يكون للمدين أيضاً، ولكن لا بنحو مطلق، بل في حدود رضا الدائن، فإذا رضي الدائن به فهو، وإلّا فلو امتنع عنه فلا يكون وفاءً؛ وذلك لأنّ الفرد الذمّي وإن كان فرداً للكلّي الجامع الثابت في ذمّة المدين، إلّاأ نّه لا ينسجم مع الحقّ الثابت للدائن- وهو حقّ الإيصال إلى الواقع الخارجي-؛ فإنّ الفرد الذمّي لا يوصله إلى الواقع، فإذا طالب الدائن بهذا