أمّا الفقه الإسلامي فهو- كما مضى- لا يواجه هذه المشكلة رأساً؛ فإنّه يرى الدّين عبارة عن مال موجود في الذمّة، وحوالة الدّين عبارةٌ عن نقل هذا المال من مكانٍ إلى مكان، أي من ذمّة إلى ذمّة، من قبيل نقل المال الخارجي من غرفة إلى غرفة، وحوالة الحقّ عبارة عن تبديل مالك هذا المال الموجود في الذمّة. وهذان أمران لا يرتبط أحدهما بالآخر، فيجوز للفقه أن يتصوّر أحدهما دون الآخر، سواءٌ أكان ما تصوّره عبارة عن حوالة الحقّ دون حوالة الدين أم العكس.
2- وأمّا ما ذكره من الدليل الأوّل على عدم معرفة الفقه الإسلامي لحوالة الدّين- وهو أ نّه: لماذا يفرّق بين الحوالة على البريء وبين الحوالة على المدين؟! و [إنكار] المذاهب الأربعة الحوالة على البريء (عدا الفقه الحنفي مع تلعثم وتلكّؤ)[1] يرجع إلى عدم الاعتراف- فإنّ الملاحظة عليه:
إنّ السنهوري اقتصر على فقه السنّة، أمّا فقهاء الشيعة فجملة منهم يلتزمون بالحوالة على البريء. نعم، جملة منهم ينكرونها، وليس إنكارهم لصعوبةٍ في تصوير أصل الحوالة، بل لدعوى أنّ الحوالة على البريء ترجع إلى الضمان، فلا يبقى عندنا حوالة على البريء؛ وذلك أ نّه يوجد عندنا في الفقه بابان: باب الضمان (بأن يضمن شخص دين شخص) وباب الحوالة، والفرق بين الضمان وبين الحوالة هو أنّ الحوالة تصدر من المديون إلى مَن يقع عليه الدّين بعد الحوالة، والضمان بالعكس؛ فهو شيء يصدر من نفس من يقع عليه الدّين. ويقال: إنّ الحوالة على البريء يرجع روحها إلى الضمان؛ فإنّه في الحقيقة يصدر من الذي يقع عليه الدّين بهذه المعاملة تقبّلٌ للدّين، وهذا عبارة
[1] تقدّم أنّ التعبير من الدكتور السنهوري نفسه