الشاهد الأوّل: إنّه لو كان الفقه الإسلامي يريد بالحوالة معناها الحقيقي الدقيق الذي عرفه الفقه الغربي الحديث- وهو نقل الالتزام من ذمّة المدين إلى شخص آخر- فلماذا إذن لا يقول بالحوالة على البريء؟! وأيّ فرقٍ بين الحوالة المطلقة وبين الحوالة المقيّدة؟! مع أنّ الفقه الإسلامي- في نظر الدكتور السنهوري الذي لم يلتفت إلى الفقه الجعفري، قاصراً نظره على فقه المذاهب الأربعة- يُبطل الحوالة على البريء، عدا الفقه الحنفي، مع تلعثم في هذا الفقه وتلكّع- على حدّ تعبير الدكتور السنهوري نفسه- ينتج في نهاية المطاف عدم القول بالحوالة.
وبعبارة اخرى: إنّ هذا الفقه لو كان يقرّ بانتقال الدّين من مدين على آخر، فلماذا يفرّق إذن بين الحوالة على البريء وبين الحوالة على المدين، ويقول: إنّ الحوالة على البريء باطلة، ويشترط في صحّة الحوالة أن تكون حوالةً على المدين، وهو الشرط الذي ذهبت إليه ثلاثة مذاهب من المذاهب الأربعة في الفقه الإسلامي المنظور للدكتور السنهوري، بينما الفقه الرابع- وهو الفقه الحنفي- يقول: إنّه لم يشترط، ولكنّ روح الشرط كانت- بحسب النتيجة- محفوظةً عنده؛ فاعتقاد هذا الفقه بعدم صحّة الحوالة على البريء بنفسه دليل على أنّ تصوّره للحوالة يختلف عن صورتها الواقعيّة، وإلّا فالمقتضى الواقعي للحوالة هو عدم التفريق بين الحوالة على البريء وبين الحوالة على المدين؟
الشاهد الثاني: لو كان الفقه الإسلامي يقول: إنّ نفس الدَّين ينتقل من مدينٍ إلى آخر، للزم على ذلك أن تحفظ فرعيّات هذا الدَّين؛ لأنّ نفس هذا الدَّين محفوظ؛ فيلزم أن تكون فرعيّاته محفوظةً كما هي كذلك في الفقه الغربي، بينما هي ليست كذلك في الفقه الإسلامي.